سموه ، وسبحه على قدر ما ظهر ، كما شرع وأمر ، يبدو لك في هذا الخضوع ، ما بدا لك في الركوع ، من إعادة التنزيه إليك ، ورده عليك (١) ، واجتهد في الدعاء ، مع أن قبلته في السماء ، وقبلتك في سجودك في الأرض ، محل الانحطاط والخفض ، لا تجزع أيها الساجد ، فإنك لفخذ نقطة الدائرة المشاهد ، وهي الغيب الحقيقي ، والإله الخالقي ، فمكّن كفيك من الترب ، فإنك في محل القرب ، فتفطّن لما رمزناه ، وفك المعمى الذي ألغزناه ، واعلم أنك معصوم في سجودك من الشيطان ، فإنه قهاره فليس له عليك سلطان ، إذا عاين هذه الحال اشتغل بنفسه ، واحترق في برج نحسه ، وصار شاهدا لك عند ربك بالطاعة ، ومشاهدا لما يؤول إليه من الخسران يوم قيام الساعة ، ويكفيك هذا القدر في سجودك ، فإنه حجابك في استمرار وجودك ، جعلنا الله وإياكم ممن سجد فوجد ، وتهجد فتمجد ، بمنه وكرمه.
(٩٧) سورة القدر مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١)
قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) بنون الجمع والعظمة ، فجمع في إنزاله فيها جميع الأسماء الإلهية (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) اعلم أن الله أنزل الكتاب فرقانا في ليلة القدر ليلة النصف من شعبان ، وأنزله قرآنا في شهر رمضان ، كل ذلك إلى السماء الدنيا ، ومن هناك نزل في ثلاث وعشرين سنة فرقانا نجوما ذا آيات وسور ، لتعلم المنازل وتتبين المراتب ، فمن نزوله إلى الأرض في شهر شعبان يتلى فرقانا ، ومن نزوله في شهر رمضان يتلى قرآنا ، واختلف الناس في ليلة القدر أعني في زمانها ، فهي عندنا تدور في السنة كلها ، وقد جعلها الله دائرة متنقلة في الشهور وفي أيام
__________________
(١) ينظر إليه قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث القدسي [إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أردها عليكم] ـ راجع قول أبي يزيد البسطامي : سبحاني ـ في كتابنا شرح كلمات الصوفية.