إلا ما غرسته في حياتها الدنيا من خير أو شر ، فمن بذر حنطة ، حصد حنطة كانت له فيها غبطة ، ومن بذر ما بذر ، حصد مثل الذي بذر ، فقال تعالى :
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (٧)
الأعمال معان عرضية تعرض للعامل ، ألحقها الله بالموزون فقال (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) فأدخل العمل في الميزان ، فكان موزونا في الحضرة المثالية التي لا تدرك المعاني إلا في صورة المحسوس ، والحق تعالى يحفظ الأعمال إما للعبد أو عليه ، فيكسو الله الأعمال التي هي أعراض لا تقوم بنفسها صور القائمين بأنفسهم ، ويجعل ذلك خلعا عليها ، ولذلك جاء وزن الأعمال وشبّهها بمثاقيل الذر ، فمن عمل خيرا على أي وجه كان فإنه يراه ويجازى به ، ومن عمل شرا فلابد أن يراه وقد يجازى به ، وقد يعفى عنه ويبدل له بخير إن كان في الدنيا قد تاب ، وإن مات عن غير توبة فلابد أن يبدل بما يقابله بما تقتضيه ندامته يوم يبعثون. قال صلىاللهعليهوسلم [إنما هي أعمالكم ترد عليكم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر].
(وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨)
وأقله العتاب الإلهي والتقرير عند السؤال على ما وقع منه ، فلابد أن يقف على ما عمل ، فالمؤمن يرهب من هذا التوبيخ برؤية العمل القبيح الذي لابد له من رؤيته ، ولم يتعرض الحق في هذه الآية للمؤاخذة به ، فالرؤية لابد منها ، فإن كان ممن غفر له يرى عظيم ما جنى وعظيم نعمة الله عليه بالمغفرة ، هذا يعطيه الخبر الإلهي الصدق الذي لا يدخله الكذب ، فإنه محال على الجناب الإلهي ، فإن نظر العالم إلى أن خطاب الحق لعباده إنما يكون بحسب ما تواطؤا عليه ، وهذا خطاب عربي لسائر العرب بلسان ما اصطلحوا عليه ، من الأمور التي يتمدحون بها في عرفهم ومن الأمور التي يذمونها في عرفهم ، فعند العرب من مكارم الأخلاق أن الكريم إذا وعد وفا وإذا أوعد تجاوز وعفا ، وهي من مكارم أخلاقهم ومما يمدحون بها الكريم ، ونزول الوعيد عليهم بما هو في عرفهم ، لم يتعرض في ذلك لما تعطيه الأدلة العقلية من عدم النسخ لبعض الأخبار ولاستحالة الكذب ، بل المقصود إتيان مكارم الأخلاق ، قال شاعرهم :