(١٠٣) سورة العصر مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣)
فينبغي للمؤمن أن يقبل من أخيه النصح والوصية ، فإن المؤمنين أهل إنصاف ، مطلبهم واحد ، مأمورون بذلك بقوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ) وقد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان ، بقوله (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) لذلك عليك بالنصيحة على الإطلاق ، فإنها الدين ، خرج مسلم في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال [الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم] واعلم أن النصاح الخيط ، والمنصحة الإبرة ، والناصح الخايط. والخايط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصا أو ما كان ، فينتفع به بتأليفه إياها ، وما ألفه إلا بنصحه. والناصح في دين الله ، هو الذي يؤلف بين عباد الله وبين ما فيه سعادتهم عند الله ، ويؤلف بين الله وبين خلقه ، وهو قوله : النصيحة لله ، وفيه تنبيه في الشفاعة عند الله إذا رأى العبد الناصح أن الله يريد مؤاخذة العبد على جريمته ، فيقول لله : يا رب إنك ندبت إلى العفو عن عبادك ، وجعلت ذلك من مكارم الأخلاق ، وهو أولى من جزاء المسيء بما يسوءه ؛ وذكرت للعبد أن أجر العافين عن الناس فيما أساؤا إليهم فيه ، مما توجهت عليهم به الحقوق ، على الله ؛ فأنت أحق بهذه الصفة لما أنت عليه من الجود ، والكرم ، والامتنان ، ولا مكره لك ؛ فأنت أهل العفو والتكرم والتجاوز عن هذا العبد المسيء المتعدي حدودك عن إساءته ، وإسبال ذيل الكرم عليه ؛ وأما النصيحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمرا قد قرر خلافه ـ والإنسان صاحب غفلات ـ فينبّه الصاحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك ، مثل سهوه صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، ولهذا أمر الله عزوجل نبيه صلىاللهعليهوسلم