(إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) (٣)
هذا أمر ، أي اشغل نفسك بتنزيه ربك والثناء عليه بما هو أهله ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك] هذا هو التسبيح بحمده ، فإذا قام فضول بالإنسان واستنبط له ثناء لم يجىء بذلك اللفظ خطاب إلهي فما سبحه بحمده ، بل بما استنبطه من عنده ، فينقص عن درجة ما ينبغي ، فقل ما قاله عن نفسه ولا تزد في الرقم وإن كان حسنا ، فإذا عملت به كنت من أهل الحق ، قال تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فاقتطعه بهذا الأمر من العالم لمّا كمّل ما أريد منه من تبليغ الرسالة ، وقال له تعالى (وَاسْتَغْفِرْهُ) من أيام التبليغ ، فطلب بالاستغفار أن يستره عن خلقه في حجاب صونه ، لينفرد به دون خلقه دائما ، فإنه كان في زمان التبليغ والإرشاد وشغله بأداء الرسالة ، فإن له وقتا لا يسعه فيه غير ربه ، وسائر أوقاته فيما أمر به من النظر في أمور الخلق ، فرده إلى ذلك الوقت الواحد الذي كان يختلسه من أوقات شغله بالخلق ، وإن كان عن أمر الحق (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي يرجع الحق إليك الرجوع الخاص الذي يربو على مقام التبليغ ، وهو المحادثة برفع الوسائط ، رجوعا مستصحبا لا يكون للخلق عندك فيه دخول بوجه من الوجوه ، ولما تلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه السورة ، بكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحده دون من كان في ذلك المجلس ، وعلم أن الله تعالى نعى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نفسه ، وهو كان أعلم الناس به ، وأخذ الحاضرون يتعجبون من بكائه ولا يعرفون سبب ذلك :
إذا رأيت وفود الله قد وصلوا |
|
يأتون دين الإله الحق أفواجا |
فاستغفر الله واطلب عفوه كرما |
|
وكن فقيرا إلى الرحمن محتاجا |
معاشر الناس إن الله أنبتكم |
|
من أرضه نطفا في النشىء أمشاجا |
وثم أولجكم لما أماتكمو |
|
فيها لأمر أراد الحق إيلاجا |
وقد علمت بأن الله يخرجكم |
|
بعد الممات من الأجداث إخراجا |
من بعد إنزاله من أجل نشأتكم |
|
ماء كمثل منيّ الناس ثجاجا |