ولهذا لما قالت اليهود لمحمد صلىاللهعليهوسلم : انسب لنا ربك ؛ ما نسب الحق نفسه فيما أوحى إليه به إلا لنفسه ، وتبرأ أن يكون له نسب من غيره ، فأنزل عليه سورة الإخلاص نسبا له ، فعدد ومجد ، فكانت له عواقب الثناء بما له من التحميد ، ولم يقم لليهود من أدلة النظر دليلا واحدا ، فقال :
(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١)
قال تعالى في أول سورة الإخلاص لنبيه عليهالسلام فابتدأ بالضمير ، ولم يجر له ذكر متقدم يعود عليه في نفس القرآن ، لأنه ما تمّ موجود يصح أن يضمر قبل الذكر إلا من يستحق الغيب المطلق ، الذي لا يمكن أن يشهد بحال من الأحوال ، فيكون ضمير الغيب له كالاسم الجامد العلم للمسمى ، يدل عليه بأول وهلة ، من غير أن يحتاج إلى ذكر متقدم مقرر في نفس السامع يعود عليه هذا الضمير ، فلا يصح أن يقال هو إلا في الله خاصة ، فإذا أطلق على غير الله فلا يطلق إلا بعد ذكر متقدم معروف بأي وجه كان مما يعرف به ، ويصح الإضمار قبل الذكر في ضرورة الشعر مثل قول الشاعر [جزى ربه عني عدي بن حاتم] وإن كانت اليهود قد قالت لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : انسب لنا ربك ؛ فربما يتوهم صاحب اللسان أن هذا الضمير يعود على الرب الذي ذكرته اليهود ، ولتعلم أن هذا الضمير لا يراد به الرب الذي ذكرته اليهود ، لأن الله يتعالى أن يدرك معرفة ذاته خلقه ، ولذلك قال (قُلْ هُوَ اللهُ) فاختار الحق الاسم الله لنفسه ، وأقامه في الكلمات مقامه ، فهو الاسم الذي ينعت ولا ينعت به ، فجميع الأسماء نعته ، وهو لا يكون نعتا ، ولهذا يتكلف فيه الاشتقاق ، فهو اسم جامد علم ، موضوع للذات في عالم الكلمات والحروف ، لم يتسم به غيره جل وعلا ، فعصمه من الاشتراك ، كما دل أن لا يكون ثمّ إله غيره ، وما ذكر في السورة كلها شيئا يدل على الخلق ، بل أودع تلك السورة التبري من الخلق ، فلم يجعل المعرفة به نتيجة عن الخلق ، فقال تعالى (وَلَمْ يُولَدْ) ولم يجعل الخلق في وجوده نتيجة عنه كما يزعم بعضهم بأي نسبة كانت فقال تعالى (لَمْ يَلِدْ) ونفى التشبيه بأحدية كل أحد بقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وأثبت له أحدية لا تكون لغيره ، وأثبت