(وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وهو سجن الرحمن ، دار العذاب والنقمة ، وقيّمها مالك ومعناه الشديد ، يقال ملكت العجين إذا شددت عجنه.
(وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٩)
(فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) الولي هو الناصر. واعلم أن نعت الولاية لا ينسبها الله لنفسه إلا بتعلق خاص للمؤمنين خاصة والصالحين من عباده ، وذلك من حيث أنّها النصر ، ولكن الولاية من الله ـ من حيث هي ولاية ـ عامة في مخلوقاته من حيث ما هم عبيده ، وبهذه الولاية تولاهم في الإيجاد ، ومن ذلك المشركون ، فمن عموم ولايته أن تولاهم بالوجود في أعيانهم ، وبحفظ الوجود عليهم ، وبتمشية أغراضهم ، وتولاهم بما رزقهم مما فيه قوام عيشهم ومصالحهم عموما ، ووفق من وفق منهم بولايتهم لوضع نواميس جعلها في نفوسهم من غير تنزل ، الذي هو الشرع ، فوضعها حكماء زمانهم وذوو الرأي منهم العلماء بما يصلح العالم ، فتولاهم سبحانه بأن قرر في أنفسهم ما ينبغي أن تكون به المصلحة لهم ، مراعاة لكل جزء منهم ، فإن كل جزء من العالم مسبح لله تعالى من كافر وغير كافر ، فإن أعضاء الكافر كلها مسبحة لله ، ولهذا يشهد عليه يوم القيامة جلده وسمعه وبصره ويده ورجله ، غير أن العالم لا يفقهون هذا التسبيح ، وسريان هذه العبادة في الموجودات ، وهذا من توليه سبحانه ، ثم إنه تولاهم بإنزال الشرائع الصادقة المعرّفة بمصالح الدنيا والآخرة ، ثم تولاهم بما أوجد من الرحمة فيهم التي يتعاطفون بها بعضهم على بعض ، في الوالدين بأولادهم في تربيتهم ، وبالأولاد على والديهم من البر بهم والاعتماد عليهم ، وبما جعل من شفقة المالكين على مماليكهم ، وعلى ما يملكونه من الحيوانات ، وتولى الحيوان بما جعل فيهم من عطف الأمهات على أولادها في كل حيوان يحتاج الولد إلى تدبير أمه ، وتولاهم بالأغراض ليهون عليهم المشقات ، ويسمى مثل هذا تسخيرا ، فيخرج الشخص لنيل غرضه فيما يزعم ، وهو من حيث التولي الإلهي ما خرج إلا في حق الغير ، وهو يتوهم أنه في حق نفسه ، وذلك