على خلاف ذلك ، وعلى ذلك نقول في هذه الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) إنها أصل في التنزيه لأهله ، وأصل في التشبيه لأهله ، من وجه التنزيه نزه سبحانه نفسه أن يشبهه شيء من المخلوقات ، أو يشبه شيئا بقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فأعلم بأنه لا يستوي الحق والخلق (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فأبهم ، فحيّر العقول والفهوم بين الإعلام والإبهام ، ففي هذه الآية نفى التشبيه المفهوم منه على زيادة الكاف أو فرض المثل ، إذ كان لا يستحيل فرض المحال ، فإن بعض العلماء يرى في ذلك أنه لو فرض له مثل لم يماثل ذلك المثل ، فأحرى أن يماثل هو في نفسه ، فما حظ العقل من الشرع مما يستقل به دليله إلا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) على زيادة الكاف ، لا على إثباتها صفة ، ومن وجه التشبيه فإن الكاف كاف الصفة ما هي زائدة كما يرى بعضهم ، وتدل عند بعضهم على نفي المثل عن المثل المحقق ، وهو معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : [إن الله خلق آدم على صورته] في بعض وجوه محتملات ، فجعله مثلا ثم نفى أن يماثل ذلك المثل فقال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي ليس مثل مثله شيء ، فالكاف في (كَمِثْلِهِ) على وجهين : وقتا على زيادة الكاف ، ووقتا على كونها صفة لفرض المثل ، وهو مذهبنا والحمد لله ، فإذا كان حرف الكاف زائدا كان المقصود منه نفي مثلية المرتبة ، قال الله عزوجل : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ) فما له مثل ، إذ لو كان له مثل لم يصح نفيه ، فإنه ما نفى إلا المرتبة ، ما نفى مثلية الذات ، وما عيّن التفاضل في الأمثال إلا المراتب ، فلو زالت لزال التفاضل ، فمن ذاته يقبل الصور ، ومن مرتبته لا يقبل المثل ، وإذا كانت الكاف للصفة فمعناه ليس مثل مثله شيء ، فنفى وأثبت ، وهو قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إن الله خلق آدم على صورته] فظهر في الوجود صورتان متماثلتان ، كصورة الناظر في المرآة ، ما هي عينه ولا هي غيره ، لكن حقيقة الجسم الصقيل مع النظر من الناظر أعطى ما ظهر من الصورة ، ولهذا تختلف باختلاف المرآة لا بالناظر ، فالحكم في الصورة الأكبر لحضرة المجلى لا للمتجلي ، كذلك الصورة الإنسانية في حضرة الإمكان ، لما قبلت الصورة الإلهية لم تظهر على حكم المتجلي من جميع الوجوه ، فحكم عليها حضرة المجلى وهي الإمكان ، بخلاف حكم حضرة الواجب الوجود لنفسه ، فهذا المقدار والشكل الذي لا يقبله الواجب ، وهو الناظر في هذه المرآة ، فهو من حيث حقائقه كلها هو هو ، ومن حيث مقداره وشكله ما هو هو ، وإنما هو من أثر حضرة الإمكان فيه ، الذي هو في