المرآة تنوع شكلها ، في نفسها ومقدارها في الكبر والصغر ، فقال تعالى في حق الإنسان الكامل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي ليس مثل مثله شيء ، أي من هو مثل له بوجوده على صورته لا يقبل المثل ، أو لا يقبل الموجود على الصورة الإلهية المثال ، فعلى اعتبار الكاف زائدة يكون نفي المثلية عن الحق من جميع الوجوه ، لما أثر المحل المتجلى فيه في الصورة الكائنة ، من الشكل والمقدار الذي لا يقبله المتجلي من حيث ما هو عليه في ذاته وإن ظهر به ، فذلك حكم عين الممكن في وجوده ، وعلى اعتبار الكاف كاف التشبيه نفى المثلية عن الصورة التي ظهرت ، فلم يماثلها شيء من العالم من جميع وجوه المماثلة ، فإن المثلين اللغويين لا يلزم من وصف كل واحد منهما بالمثلية لصاحبه المماثل له الاشتراك في صفات النفس ، لأن المثلية لغوية وعقلية ، فالعقلية هي التي يشترك بها في صفات النفس ، واللغوية بأدنى شبه بأمر ما يكون مثلا له في ذلك الأمر ، فيكون للمثل حكم مثله من حيث ما هو مثله فيه وقابل له ، وما ثمّ بين العبد الإنسان الكامل والحق في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إلا قبول لجميع الأسماء الإلهية التي بأيدينا ، وبها صحت خلافته وفضل على الملائكة ، فالخليفة إن لم يظهر فيمن هو خليفة عليه بأحكام من استخلفه وصورته في التصرف فيه ، وإلا فما هو خليفة له ، فالمثلية الواردة في القرآن لغوية لا عقلية ، لأن المثلية العقلية تستحيل على الله تعالى ، إذ دل دليل الشرع على أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) من جميع الوجوه ، فكل ما تصورته أو مثّلته أو تخيلته فهو هالك ، والله بخلاف ذلك ، هذا عقد الجماعة إلى قيام الساعة ، وأما الدليل العقلي فلا يقول بالمثلية أصلا ، فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فأتى بكاف الصفة في نفي المماثلة عن المثل المفروض ، ولها عموم النفي حين تقترن بها حال مخصصة ، إذ قصارى الناظر في ذلك التوقف حتى يرى ما تعطيه قرائن الأحوال فيها ، وهذه آية صاحب الدليل العقلي ، لكنه جاء هذا النفي والإثبات للمثلية باللسان العربي ، والمماثلة في اللسان على غير المماثلة التي اصطلح على إطلاقها العقلاء أرباب النظر ، فيحتاج العاقل أن يتكلف دليلا على أن الحق أراد المماثلة العقلية ، ولا دليل يطلب من صاحب اللسان فيها ، فإنه بلسانه نزلت وعلى اصطلاحه ، ومثل هذا لا يدرك بالقياس ولا بالنظر ، فإنه يرجع إلى قصد المتكلم ، ولا يعرف ما في نفس المتكلم إلا بإفصاحه عما في نفسه ، وقد قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) والعربي لا يعرف المماثلة العقلية ولا ينكرها إذا