إن الله سيذكّر عباده يوم القيامة بما شهدوا به على أنفسهم في أخذ الميثاق فيقولون : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ ، وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ، فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ)؟ أي كما قبلنا حياة بعد موت ، وموتا بعد حياة مرتين ، فليس بمحال أن نقبل ذلك مرارا ، فطلبوا من الله أن يمن عليهم بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا ما يورثهم دار النعيم ، وحين قالوا هذا لم يكن الأمد المقدر لعذابهم قد انقضى ، ولما قدر الله أن يكونوا أهلا للنار ، وأنه ليس لهم في علم الله دار يعمرونها سوى النار ، قال تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) ليدخلوا النار باستحقاق المخالفة.
(ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (١٢)
فهو تعالى (الْعَلِيِّ) الظاهر إلى عباده بنعوت الجلال (الْكَبِيرِ) ليعلم العبد أنه محل للتوفيق ونقيضه ، وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله على ما أمر به ونهى عنه ، فالحكم لله العلي الكبير ـ راجع سورة سبأ آية ٢٣.
(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) (١٥)
(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فالرفعة له سبحانه بالذات ، وهي للعبد بالعرض ، وجعل له سبحانه درجات يظهر فيها لعباده ، فإن لكل اسم من الأسماء الإلهية مرتبة ليست للآخر ، والمراتب لا تتناهى وهي الدرجات ، وفيها رفيع وأرفع ، وما ثمّ رتبة إلا رفيعة ، وتقع المفاضلة في الرفعة ، ودرجات الحق ليست لها نهاية ، لأن التجلي فيها وليس له نهاية ، ومن جهة أخرى