ولم يكن شيئا ، ولكن كما قلنا ، الحق موجود بذاته ، والعالم موجود به ، فإن سأل سائل ذو وهم : متى كان وجود العالم من وجود الحق؟ قلنا : متى سؤال زماني ، والزمان من عالم النسب ، وهو مخلوق لله تعالى ، لأن عالم النسب له خلق التقدير لا خلق الإيجاد ، فهذا سؤال باطل ، فانظر كيف تسأل؟ فلم يبق إلا وجود صرف خالص لا عن عدم ، وهو وجود الحق تعالى ، ووجود عن عدم عين الموجود نفسه ، وهو وجود العالم ، ولا بينية بين الوجودين ، ولا امتداد إلا التوهم المقدر الذي يحيله العلم ولا يبقي منه شيئا ، ولكن وجود مطلق ومقيد ، وجود فاعل ووجود منفعل ، فارتفع بهذه الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الأشكال والأمثال ، ولم يتقيد أمر الإله ولا انضبط ، وجهل الأمر ، وتبين أنه لم يكن معلوما في وقت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ، ولم يحصل في العلم به أمر ثبوتي ، بل سلب محقق ونسبة معقولة أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان ، فلا كيف ولا أين ولا متى ، ولا وضع ولا إضافة ، ولا عرض ولا جوهر ، ولا كم وهو المقدار ، وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق وفاعل معين ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول ، يرى أثره ولا يعرف خبره ، ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه ، فالحق لا يضاهى لأنه ليس كمثله شيء ، أما صفات التشبيه فهي مضاهاة مشروعة ، فما أنت ضاهيته ، فالعقل ينافي المضاهاة ، والشرع يثبت وينفي ، والإيمان بما جاء به الشرع هو السعادة ، فلا يتعدى العاقل ما شرع الله له ، والعاقل من هجر عقله واتبع شرعه بعقله من كونه مؤمنا ، وأكمل العقول عقل ساوى إيمانه ، وهو عزيز ـ تحقيق ـ من هذه الحقيقة الإلهية حقيقة ليس كمثله شيء ، سرت الحقيقة في المخلوقات أن لا مثل في الأعيان الموجودة ، وأن المثلية أمر معقول متوهم ، فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شيء عن شيء مما يقال هو مثله ، فذلك الذي امتاز به الشيء عن الشيء هو عين ذلك الشيء ، فما ثمّ مثل أصلا ، ولا يقدر على إنكار الأمثال ، ولكن بالحدود لا غير ، ولهذا نطلق المثلية من الحقيقة الجامعة المعقولة لا الموجودة ، فالأمثال معقولة لا موجودة ، فما أدرك المدرك ـ أي شيء أدرك ـ إلا من حقيقة ليس كمثله شيء ، وذلك لأن الأصل الذي نرجع إليه في وجودنا وهو الله تعالى ليس كمثله شيء ، فلا يكون ما يوجد عنه إلا على حقيقته أنه لا مثل له ، ولو كان قبول المثل موجودا في العالم ، لاستند في وجوده من ذلك الوجه إلى غير حقيقة إلهية ، وما ثمّ موجد إلا الله ، ولا مثل له ، فما في الوجود شيء له مثل ،