فيضيفون ما هم فيه إليها.
(مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (٢٠)
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) وهو النصيب الأخروي وأجرها (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) فنوفقه للعمل الصالح ، فلا يزال ينتقل من خير إلى خير في خير ، فمن حسنة إلى حسنة ، فإذا كسب الآخرة نال ما اقتضاه العمل ، والزيادة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، فينال في الآخرة جميع أغراضه كلها ، وزيادة ما لم يبلغه غرضه ، والآخرة هنا هي الجنة ومن دخلها ، والحسنة هي حرث الآخرة في الدنيا ، فإن الدنيا منزل لا يمكن أن ينال أحد فيه جميع أغراضه ، بل يؤتيه الله منها ، وأما الآخرة وهي الجنة فهي منزل ينال السعيد فيها جميع أغراضه كلها وزيادة من غير توقف (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) وهي فانية ، وفرح بها وآثر نصيب الدنيا على نصيب الآخرة لاستيلاء الغفلة عليه ، فمن أراد حرث الدنيا فما يجني إلا ثمرة غرسه لا غير ، فقال تعالى : (نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) ـ اعتبار ووصية ـ نزّه نفسك عن الدنيا وأوضارها ، واجعلها خادمة لك ولرعيتك ، أي جوارحك وقواك ، وما الدنيا إلى جانب منصبك الذي أهلك الله إليه ، المقدس عن تعلق الكونين به؟! فكيف عن الدنيا التي مقتها الله تعالى ، وما نظر إليها من حين خلقها؟! وناهيك من تشبيه النبي صلىاللهعليهوسلم إياها بالجيفة والمزبلة ، مع إخباره أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وأنها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان من ذكر الله ، فيجمل بهمة خليفة مثلك ، قد خلقه الله نورا ، جوهرة يتيمة ، أن يلحظ ببصره أو بطرفه إلى جيفة أو مزبلة أو يتكالب عليها؟! وقد قال تعالى : يا دنيا اخدمي من خدمني ، واستخدمي من خدمك ، فالدنيا وفقك الله تطلبك حتى توفيك ما قدّره لك من استخلفك ، من جاهك ورزقك وأرزاق رعيتك ، فأجمل في الطلب ، واسع في تخليص رعيتك وتخليص نفسك باشتغالك بما كلفك من استخدمك من الأوامر والنواهي والحدود ، فعليك بالإعراض عن الدنيا تأتيك خادمة راغمة ، والذي يصل إليك منها وأنت مقبل عليها ، هو الذي يصل إليك وأنت معرض عنها ، ذكر كعب الأحبار أن الله تعالى ذكر في التوراة : يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت