قلبك وبدنك ، وأنت محمود ، وإن لم ترض بما قسمت لك ، سلطت عليك الدنيا ، حتى تركض فيها ركض الوحوش في البرية ، وعزتي وجلالي لا تنال منها إلا ما قدّرت لك وأنت مذموم ؛ فعلّق الراحة بالقلب مع البدن ، إذ لا يصح طلب شيء من غير إرادة ، إذ هي المحركة للباحث على البحث والتفتيش ، والإرادة من خاصتك المصرفة لعامتك ، فإن تصرفت في المضمون تصرفا كليا ، لم تتهيأ لامتثال أوامرك عليها ، وعند عدولها عن ذلك كنت لئيما على رعيتك ، على ما يرد في داخل الباب ، فالله الله ، اجهد أن لا تتعلق لك إرادة إلا بمراد محبوبك من جهة ظاهر الأمر ، وباطن الإرادة بعد وقوع المراد ، المؤدي إلى العلم بأن ذلك الواقع لو لا ما سبق في العلم على ذلك ، وتعلقت به الإرادة لما وقع على ذلك الوصف ، مع جواز تبدله في نفسه في وقوعه على غير ذلك ، وهل خلقت الدنيا إلا من أجلك؟ وخلقك سبحانه من أجله ، فأوجدك له وأوجد الأشياء لك ، أنزل في التوراة : يا ابن آدم ، خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تهتك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك ؛ قال الله تعالى في القرآن العظيم : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ ، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) وقال : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) وقال تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) إلى أمثال هذا مما لا يحصى في القرآن كثرة.
(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (٢١)
ليس لمخلوق أن يشرع ما لم يأذن به الله ، ولا أن يوجب وقوع ممكن من عالم الغيب يجوز خلافه في دليله على جهة القربة إلى الله إلا بوحي من الله وإخبار ، وأما ما اقتضاه نظر المجتهدين من العلماء في الأحكام فإنه بتقرير رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحكم المجتهد من شرعه صلىاللهعليهوسلم الذي يعطي المجتهد دليله ، وهو الذي أذن الله به ، فما هو من الشرع الذي لم يأذن به الله ، فإن ذلك كفر وافتراء على الله ، وليس الاجتهاد أن تحدث حكما ، هذا غلط ، وإنما الاجتهاد المشروع في طلب الدليل من كتاب أو سنة أو إجماع ، وفهم عربي على إثبات حكم في تلك