تحتها ، فإن ما تحتها لا يوجد ، فلا تخف منها ولا من دلالتها ، وليكن مشهودك الواقع خاصة ، فإنه لو وجد البغي عن البسط لم تقم الحجة عليهم ، ولكنه تعالى قال (لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) لأنهم يضعفون عن القيام بما يستحقه بسط الرزق من الشكر ، وليس في قوة الإنسان إلا البغي به والكفر والأشر والبطر (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) يعني الرزق ، وله موازين ، فإنه لو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ، فأنزل بقدر ما يشاء ، فيمنع بحق وحكمة ، ويعطي بحق وحكمة ، فهو الموصوف بالمعطي والمانع ، وهو بكل شيء عليم ، فما أنزل شيئا إلا بقدر معلوم ، ولا خلق شيئا إلا بقدر ، فإذا وجد البغي مع القدر قامت الحجة على الخلق ، فإن القدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود ، فمنع الغير مما بيده مع حصول الاكتفاء فما زاد فيعلم أنه لمصلحة غيره (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) فيعلم على من يبسط رزقه ، وعلى من يقبض عنه ذلك القدر الذي بسطه على غيره فبغي به ، ولذلك ما ذكر إلا عموم البسط في العباد كلهم ، وأضاف البغي للكل ، لأنه قد بسط للبعض فوقع منهم البغي فيما بسطه له ، لأنه شغله عن حاجة نفسه الضرورية بحاجة نفسه التي هي غير ضرورية. ولما كانت الدنيا تجري لأجل مسمى وينقضي أمدها ، فتكون الأشياء فيها تجري إلى أجل مسمى ، قال تعالى : (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) لأجل ذلك الأجل ، فينزل مالكها فيها بقدر معلوم مساو لمدة الأجل ، والآخرة بخلاف ذلك ، فإنها لا ينتهي أمدها ، ألا ترى إلى قوله تعالى في خلق هذه الأرض الأولى (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) فجعلها ذات مقدار ، فالرزق مقسوم ومنزل بقدر معلوم ، ولا ينقص ولا يزيد بسؤال العبيد. طلب المزيد في الجبلة في كل ملة ، كيف لا يظهر بالافتقار من حكم عليه الاضطرار ، وبقي الحكم للأقدار ، فكل شيء عنده بمقدار ، وهذه الآية دليل على أن البسط لا يكون إلا لرفيع المنزلة رفيع الدرجات ، فينزل بالحال إلى حال من هو في أدنى الدرجات ، فلما تمكن هذا البسط في قلوب العباد أثر في قلوبهم بغيا فتعدوا منزلتهم ، فقالوا : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) حيث نزل الحق إليهم في البسط بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) ـ إشارة ـ نبه الحق بهذه الآية على مقام القبض ، فإن إظهار التوحيد ـ أي توحيد الأفعال ـ لله تعالى ، يوما ما أو في نازلة ما ، لا في كل يوم ، ولا في كل النوازل ، لأن استدامة هذا التجلي يؤدي إلى تعطيل الأحكام والديانات ، وإذا كان ذلك خرب الملك عاجلا أو آجلا ، فالله الله ولا لمحة بارق من التوحيد.