فيجمع بين الذكورة والأنوثة ، وهو قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ، فإن كانا على السواء من جميع الجهات والاعتدال من غير انحراف ماء أحدهما كان الخنثى ، يحيض من فرجه ويمني من ذكره ، فيعطي الولد ويقبل الولد ممن ينكحه ، وإن انحرف الماء عن الاعتدال ولم يبلغ مبلغ العلو على الآخر كان الحكم للمنحرف إلى العلو ، فإن كان ماء المرأة حاض الخنثى ولم يمن ، وإن كان ماء الرجل أمنى ولم يحض ، فسبحان القدير الخلاق العليم (إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) فوصف تعالى نفسه في ذلك بأنه عليم قدير وهو وصف يرجع إليه.
(وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١)
اعلم أن المناجاة والمشاهدة لا يجتمعان ، فإن المشاهدة للبهت والكلام للفهم ، فالعبد في حال الكلام مع ما يتكلّم به لا مع المتكلم ، أي شيء كان. واعلم أن خطاب الله تعالى أو كلام الله تعالى لمن شاء من عباده في حالتي اليقظة والمنام على ثلاثة أنواع : نوع يسمى وحيا ، ونوع يسمعه كلامه من وراء حجاب ، ونوع بوساطة رسول ، فيوحي ذلك الرسول من ملك أو بشر بإذن الله ما يشاء الله لمن أرسله إليه ، وهو كلام الله ، إذ كان هذا الرسول إنما يترجم عن الله ، فالإنسان لا يسمع كلام الحق من كونه بشرا إلا بهذه الضروب التي ذكرها الحق في هذه الآية أو بأحدها ، فإذا زال في نظره عن بشريته وتحقق بمشاهدة روحه كلمه الله بما كلم به الأرواح المجردة عن المواد ، وذلك لأن للبشر ما يباشره من الأمور الشاغلة له عن اللحوق برتبة الروح التي له من حيث روحانيته ، فإن ارتقى عن درجة البشرية كلمه الله من حيث كلم الأرواح إذ كانت الأرواح أقوى في التشبه ، لكونها لا تقبل التحيز والانقسام ، وتتجلى في الصور من غير أن يكون لها باطن وظاهر ، فما لها سوى نسبة واحدة من ذاتها ، وهي عين ذاتها ، والبشر من نشأته ليس كذلك ، ففيه ما يقتضي المباشرة والتحيز والانقسام ، وفيه ما لا يطلب ذلك وهو روحه المنفوخ فيه ، ولذلك قال تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) وهو بشر (إِلَّا وَحْياً) وهو الخطاب الإلهي ، والوحي هو السرعة ، والوحي هو المفهوم الأول والإفهام الأول ، ولا أعجل من أن يكون