وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (٥٢)
(وَكَذلِكَ) أي ومثل ذلك (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) ـ الوجه الأول ـ يعني الروح الأمين الذي نزل به على قلبك ـ الوجه الثاني ـ يعني قوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) وهو عرو المحل عن كل ما يشغله عن قبول ما أوحي به إليه ، فما هو تحت كسبك ولا تعلق لك خاطر بتحصيله ، وهو نور من حضرة الربوبية لا من غيرها ، وأصله الروح الذي هو من أمر ربي ، أي من الروح الذي لم يوجد عن خلق ، فإن عالم الأمر كل موجود لا يكون عن سبب كون يتقدمه ، (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) يعني هذا المنزل نور هداية ، وهو النور الذي قال الله تعالى فيه (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) وقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) وهو هذا الروح (فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) فكان بجعل الله ولم يضفه إلى الاكتساب ، فقال تعالى (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) يعني الوحي وهو العلم (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) فشبه الوحي وهو العلم بالنور للمشابهة الجلية بين العلم والنور ، حتى يهدي به إلى صراط مستقيم ، وجاء بمن وهي نكرة في الدلالة ، مختصة عنده ببعض عباده من نبي أو ولي ، وقوله تعالى : (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) يعطي أن الإيمان لا تعطيه إقامة الدليل ، بل هو نور إلهي يلقيه الله في قلب من شاء من عباده ، وقد يكون عقيب الدليل ، وقد لا يكون هناك دليل أصلا ، كما قال تعالى : (وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) بذلك النور الذي هديتك به ، فإن كان هذا العبد نبيا فهو مشرع ، وإن كان وليا فهو تأييد لشرع النبي ، وحكمه في أمر مشروع مجهول عند بعض المؤمنين به (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) في حق النبي طريق السعادة والعلم ، وفي حق الولي طريق العلم لما جهل من الأمر المشروع فيما يتضمنه من الحكمة.
(صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)