(صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) الصراطات تميزت بالإضافة ، فمنها صراط الله ، ومنها صراط العزيز ، ومنها صراط الرب ، ومنها صراط محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومنها صراط النعم ، وهو صراط الذين أنعمت عليهم ، فصراط الله هو الصراط العام الذي عليه تمشي جميع الأمور ، فيوصلها إلى الله ، فيدخل فيه كل شرع إلهي وموضوع عقلي ، فهو يوصل إلى الله ، فيعم الشقي والسعيد ، والله على صراط مستقيم ، والطريق لا يراد لنفسه ، وإنما يراد لغايته ، فالشريعة (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الموازين (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) وترجع لأنها على صراطه ، وهو غاية صراطه ، فلابد للسالك عليه من الوصول إليه ، فتعم الرحمة الجميع ، فإن الرحمة سبقت الغضب ، فما دام الحق منعوتا بالغضب فالآلام باقية على أهل جهنم الذين هم أهلها ، فإذا زال الغضب الإلهي وامتلأت به النار ، ارتفعت الآلام ، وحكمت الرحمة ، وهذا الصراط هو الذي يقول فيه أهل الله : إن الطرق إلى الله على عدد أنفاس الخلائق ؛ وكل نفس إنما يخرج من القلب بما هو عليه القلب من الاعتقاد في الله.
(٤٣) سورة الزخرف مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٣)
القرآن كتاب من جملة الكتب إلا أن له الجمعية دون سائر الكتب ، وهو صفة الحق ، وهو أم الكتاب الذي خرجت عنه الكتب المنزلة ، واختلفت الألسنة به لقبوله إياها بحقيقته ، فقيل فيه إنه عربي وإنه عبراني وإنه سرياني بحسب اللسان الذي أنزل به ، وهذا هو عين الجعل في القرآن وعين نسبة الحدوث إليه ، والجعل يكون بمعنى الخلق وبغيره ، فما ينسب إلى القرآن من قوله محدث فهو من حكم الجعل الذي بمعنى الخلق (١) ، قال تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ
__________________
(١) الخلق هنا بمعنى التقدير لا الإيجاد ، فإن جعل تأتى في القرآن بمعنى خلق وبمعنى صيّر ، والجعل الذي هو على معنى الخلق وهو الإيجاد ، جعله الله من القول المفصّل الذي يستغني به السامع ، وأمّا جعل الذي هو بمعنى التصيير فإن ـ