الآلية والاستقلالية ، بل هو كسائر المفاهيم يكون آلة ومرآة الى مصاديقه ، فاللحاظ الآلي والاستقلالي انما هو مختص بالظان والقاطع ، فتارة يلاحظ قطعه استقلالاً ، واخرى يلاحظه آلة ومرآة ، وأما غير القاطع والظان فليس عنده الا مفهوم قطع القاطع وظن الظان ، والمفهوم منهما غير قابل لكلا اللحاظين. فلا يمكن للشارع لحاظ قطع غيره أو ظنه تارة آليا وأخرى استقلالياً ؛ كي يقال بأنه لا يمكن الجمع بينهما في دليل واحد.
فلا بد من تصحيح كلام الآخوند بنحو لا يرد عليه هذا الاشكال.
فنقول : الكلام الذي يلقيه المتكلم الى السامع تارة يريد ان يتصور السامع مدلوله ، واخرى يريد تصديقه بمدلوله ايضا بعد تصوره ، وبعبارة اخرى تارة يريد القاء المراد الاستعمالي للكلام وافهامه له ، واخرى يريد القاء المراد الجدي ، وهو التصديق بمدلول الكلام ، والمراد الجدي تارة يتعلق بالمدلول المطابقي للكلام ، واخرى يتعلق بملزوماته ، فتارة يقول : زيد كثير الرماد ، ويريد تصديق المخاطب والسامع بالمفهوم التصوري من الكلام ، وهو زيد والكثرة والرماد والنسبة بين زيد وكثرة الرماد ، وهو المعنى المطابقي للكلام ، وأخرى يقوله ويريد به افهام المخاطب ملزوم ذلك المعنى التصوري والمعنى المطابقي ، وهو كرم زيد ، والاول يسمى بالصراحة ، والثاني يسمى بالكناية.
اتضح هذا فنقول : يمكن تأويل كلام صاحب الكفاية (١) بأن المولى تارة يقول : الظن كالعلم ، ويريد به المعنى الصراحتي ، وأخرى يقول ذلك ، ويريد به المعنى الكنائي ، ففي المقام الأول ، وهو قيام الظن والامارة مقام القطع الطريقي المحض يكون المراد من ان الظن كالعلم هو المعنى الكنائي ، وذلك لانه ليس لنفس العلم آثار شرعية ينزل الشارع الظن مقامه بلحاظها كما مرّ ، فلا بد ان يكون المراد بالعلم المعلوم وبالظن المظنون لينزل المظنون منزلة المقطوع في آثاره الشرعية.
__________________
(١) المصدر السابق ، ص ١٧.