يكون هذا الظن بمؤدى الخبر منجزاً للواقع ، لا محالة ، كما كان القطع منجزاً للواقع ، فالتنزيل الكبروي ينتج تنزيل الظن منزلة القطع في تنجيزه للواقع ، فتنزيل الظن منزلة القطع في المنجزية وان لم يكن مجعولا ابتدائياً للشارع الا انه يترتب على المجعول الشرعي ، فيصح ان يقال : ان تنزيل الظن منزلة القطع في المنجزية مجعول للشارع بالتبع ، وهذا بخلاف تنزيل الظن منزلة القطع في الحكم الشرعي المترتب على القطع ، وهو عملية قيام الامارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية ؛ فان هذا التنزيل مجعول للشارع ابتداء كما لا يخفى.
واذا صح ان يقال : ان تنزيل الظن منزلة القطع في المنجزية مجعول للشارع بالتبع ، فكما يمكن للشارع ان يخبر عن التنزيل المجعول له ابتداء ، وهو تنزيل الظن منزلة القطع في الحكم الشرعي المترتب على القطع ، كذلك يمكن للشارع ان يخبر عن التنزيل المجعول له بالتبع ، وهو تنزيل الظن منزلة القطع في المنجزية ، كما انه يمكن ان يخبر الشارع ايضا عن التنزيلين بكلام واحد ، فيقول : ان الظن منزل منزلة القطع ، فيترتب عليه جميع آثار القطع الشرعية والعقلية ، غاية الأمر ان التنزيل في موارد القطع الطريقي الصرف مجعول له بالتبع ، وفي موارد القطع الموضوعي الطريقي يكون مجعولا ابتدائياً.
وهذا المقدار لا يضر بتكفل دليل واحد لكلا التنزيلين ، كما ان الامر في غير المقام متحقق فانه قد نرى في بحث الاجرة على الواجبات ان قوله : (الناس مسلطون على اموالهم) يتكفل لاثبات سلطنتين ؛ وهما سلطنة تكليفية ، وهي جواز التصرف في المال واباحته ، وسلطنة وضعية وهي صحة معاملاته التي يوقعها على المال ، والسلطنة التكليفية مجعولة للشارع ابتداء ، كما لا يخفى ، واما السلطنة الوضعية فهي ليست مجعولا ابتدائيا للشارع ، بل المجعول للشارع هو انفاذ معاملاته ، فالسلطنة الوضعية مجعولة للشارع بالتبع ومع ذلك يكون قوله : (الناس مسلطون على اموالهم) متكفلا لكلا الجعلين الابتدائي والتبعي ، وقد مر تفصيل ذلك في محله ، وما نحن فيه من هذا القبيل فان قوله : (الظن كالقطع) متكفل لكلا التنزيلين الابتدائي والتبعي.