تحقق الأمر الواقعي بجعله واعتباره الذي يكون بطلانه من القضايا التي قياساتها معها ، بل ندعي ان هذا الامر الواقعي يكون ناشئا عن امر اعتباري ، لا بمعنى نشوئه من المعتبر الذي هو بالحقيقة معدوم حتى يلزم نشوء الموجود من المعدوم ، بل بمعنى نشوئه عن اعتبار ذلك الشيء الذي هو بنفسه امر حقيقي واقعي لا اعتباري ، نظير ما يجعل لشخص من تصور بحر من زيبق ، واعتباره حالة نفسانية حقيقية.
ثم نختار الشق الثاني ، ونقول : ان العقلاء كثيراً ما يجعلون فيما بينهم قضايا كلية ، كجعل وجوب اطاعة أوامر الشخص الفلاني على انفسهم ، فاي فرد أوجده ذلك الشخص من الأوامر فقد اوجد فردا من موضوع حكمهم ، كما انه كثيراً ما يجعلون فيما بينهم امورا جزئية بالاعمال الخارجية ، لكنه بالتدريج ينعقد في اذهانهم حكم كلي ، فمن الممكن دعوى انه صدر منهم العمل الخارجي بالنسبة الى الموارد الجزئية التي في بعضها تم البيان حقيقة وفي بعضها اعتباراً ، وتحقق من ذلك الحكم الكلي.
والتحقيق في مقام الايراد على المحقق النائيني (قده) ان يقال : بعد معلومية انه ليس المراد من جعل الطريقية جعل واقع الطريقية والقطع ، فان هذا واضح الاستحالة ، وانما المراد هو جعل عنوان الطريقية ، واعتباره انه ان كان تنجز الواقع بذلك لكشفه عن أهميته فهذا لا يفرق فيه بين جعل الطريقية وجعل المنجزية ونحو ذلك ، وان فرض تنجز الواقع بذلك لا لكشفه عن أهميته بأن ادعى بأنه يتنجز الواقع بهذا الجعل والاعتبار ، ولو لم يكن الواقع مهما عند المولى بحيث لا يرضى بتركه عند الشك ، وانما اوجب هذا الاعتبار لأجل انه اعطاه شخص مثلا دينارا لاجياده فعهدة هذه الدعوى على مدعيها.
هذا وقد تحصل من تمام ما ذكرناه ان هذا البحث انما صار معركة للآراء لما تخيلوا من ان ترتب التنجز على هذه الالسنة يكون لما لها من جهة الايجاد ، وبالالتفات الى انه انما يترتب عليها لما لها من جهة الكشف عن اهمية الحكم تنحل الاشكالات ، ويسهل الامر. هذا تمام الكلام فيما هو الممكن من ألسنة الحجية ، وقد عرفت ان جميع هذه الألسنة ممكنة بحسب مقام الثبوت.