احدهما : أن يقال : ان القطع بالحكم إما أن يكون ذلك الحكم دخيلا ومؤثراً في حصوله أو لا يكون دخيلا ، فان لم يكن له دخالة في حصوله ، بل كان القطع يحصل بدون الحكم ايضا يكون جعل مثل هذا الحكم لغوا ؛ إذ المفروض أن القطع يحصل به بدون دخالة للحكم فيه فيكون منجزا للحكم ، فلا فائدة في جعل الحكم.
وإما إن كان الحكم دخيلا في حصول القطع فيكون القطع متوقفا على بالحكم حسب الفرض ، وحيث إن الحكم ايضا متوقف على القطع لكون القطع مأخوذاً في موضوعه يتوقف عليه توقف كل حكم على موضوعه فيلزم الدور (١) ، فهذا البرهان الثنائي يدل على استحالة اخذ القطع بحكم في موضوع شخص ذلك الحكم ، وللكلام في هذا البرهان مزيد بيان يظهر من خلال كلماتنا في المباحث الآتية إن شاء الله.
التقريب الثاني ويتبين بعد مقدمتين :
المقدمة الأولى : ان القطع بالحكم ليس من البديهيات الأولية والضروريات ، ولا من الفطريات والمشهورات وغيرها ، حتى لا يحتاج الى دليل ، والدليل وإن كان على قسمين : إني ، وهو الاستدلال على العلة بالمعلول ، ولمّي وهو الاستدلال على المعلول بالعلة ، والحكم معلول بالنسبة الى موضوعه ، إلا أنه لا يمكن في المقام الاستدلال الإني والانتقال من المعلول الى العلة ومن الحكم الى موضوعه ، بخلاف سائر الموارد ، وذلك لأن الحكم ليس مما يقع عليه الحس ابتداء ، كما في الدخان والنار حتى يمكن الاستدلال به على موضوعه وعلته.
المقدمة الثانية : ان العلم على قسمين : علم حصولي : وهو ما يعلم بحصول صورة من الشيء في النفس ، وعلم حضوري : وهو ما يعلم بحضوره في النفس ، كما في علم الباري بصفاته وذاته. والعلم بنفس العلم من القسم الثاني إذ يحصل
__________________
(١) فوائد الأصول.