بحضوره في النفس.
اذا عرفت هذا فنقول : العلم بالحكم متوقف على العلم بموضوعه بمقتضى المقدمة الأولى ، وحيث ان موضوعه هو نفس العلم بالحكم على المفروض من كون القطع بالحكم مأخوذا في موضوع ذلك الحكم شرطاً ، فيتوقف العلم بالحكم على العلم بالعلم بالحكم الذي هو موضوعه ، وحيث عرفنا في المقدمة الثانية ان العلم بالعلم من اقسام العلم الحضوري ، وبحصول نفس العلم في الذهن لا بحصول صورة منه ، فيتضح لزوم الدور في المقام. هذا هو الدليل الرابع على الاستحالة ، واعتمادنا على هذا وعلى الدليل الثاني الوجداني.
ثم انه على فرض عدم امكان اخذ القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم ، فلو صدر كلام عن الشارع أخذ فيه القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم ، وتعلق غرض المولى بأخذ القطع بحكم في موضوع ذلك الحكم شرطا ما المهرب عن الاستحالة في مثل هذا الكلام؟ وأي شيء نصنع به؟.
فنقول : ان للحكم مرتبتين على ما بين في بحث الواجب المطلق والمشروط ؛ مرتبة الجعل ، ومرتبة المجعول ، فمثلا في صدر الاسلام حين كان المسلمون فقراء وغير مستطيعين نزلت الآية الشريفة وهي قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) فشُرِّع وجوب الحج لكن لم يكن فعليا في حق أحد من المسلمين لعدم وجود شرطه ، وهو الاستطاعة فيهم ، وكان بحيث اذا سئل كل واحد منهم بأنه يجب عليك الحج؟ يقول : لا ، الى ان مضى سنين وغزا المسلمون الغزوات المشهورة ، واخذوا الغنائم من الحروب ، وصاروا مستطيعين فصار وجوب الحج فعليا بالنسبة اليهم ، فحجوا مع رسول الله (ص) في السنة الأخيرة من عمره حجة الوداع ، فوجوب الحج من زمن نزول الآية مشرع بالنسبة اليهم ، ولكن فعليته كانت حين استطاعتهم من جهة أخذ غنائم الحرب ، والزمان الأول كان مرتبة الجعل ، والثاني كان مرتبة المجعول.
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية ٩٧.