التقريب والاشكال انما يتم لو أريد من الجعل الثاني نتيجة التقييد ، وأما لو أريد منه نتيجة الاطلاق فهو غير وارد.
التقريب الثاني : ان العلم بالمجعول في الجعل الأول لو كان مأخوذا في موضوع الجعل الثاني ، بحيث ان الجعل الثاني ايضا لا يمكن ان يكون مطلقا من ناحية العلم ولا مقيدا لعين المحذور الذي لا يمكن لأجله أن يكون الجعل الأول مطلقا ولا مقيدا ، فلا بد أن يكون هناك جعل ثالث يبين تقييد الجعل الثاني بالعلم ، ويخرجه عن الإهمال ، وهكذا فيلزم التسلسل ، وهو محال. وهذا التقريب ايضا انما يتم فيما اذا كانت الجعول المتعددة كلها مقيدة ، وأما إذا كان واحد منها مطلقا وغير مقيّد ، فلا يلزم التسلسل ، كما هو واضح.
المقام الثاني
وأما المقام الثاني ، وهو البحث عن أخذ العلم بحكم مانعا عن شخص ذلك الحكم ، فقد قلنا ان المحققين لم يفرقوا بينه وبين ما اذا كان القطع بحكم شرطا في نفس ذلك الحكم ، بل حكموا باستحالتهما معا ، ولذا أشكل عليهم بامرين :
احدهما : رواية أبان حيث سأل أبا عبد الله (ع) عن دية اصابع المرأة ، فقال (ع) : دية اصبع واحد عشرة ، واصبعين عشرون ، وثلاثة اصابع ثلاثون ، وأربعة اصابع عشرون ، فتعجب أبان من ذلك ، وقال : كنا في العراق نسمع بذلك ونقول : ان الذي جاء به شيطان. فقال (ع) لأبان : ويحك يا أبان ان السنة اذا قيست محق الدين (١). فردع (ع) عن العمل بالقياس ، فجعل العلم الحاصل به مانعا عن الحكم الشرعي ، هذا هو الأمر الأول.
الثاني : ما ذكره الشيخ الأعظم الانصاري (قده) توجيها لكلام اخواننا العلماء الاخباريين ، فانهم منعوا عن العمل بالقطع الحاصل من الأدلة العقلية وعن حجيته ، وحيث انه لا يتلائم مع كون الحجية ذاتية للقطع ، ذكر الشيخ الأعظم
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٩ كتاب الديات باب ٤٤ ، ص ٢٦٨ ، ح ١.