والخارج ولوح النفس والذهن ، فكما يجب موافقته عملا ، تجب موافقته التزاما ، فتنجز التكليف في هذا الوجه هو الملاك لوجوب الموافقة العملية والموافقة التزامية توأماً ، وهذا الوجه غير الوجوه الثلاثة المتقدمة.
في جواز اتباع حكم العقل في الاحكام الشرعية
الكلام في جواز الاعتماد على الأدلة العقلية في استنباط الاحكام الشرعية ، ولا بد قبل الدخول في المبحث من تمهيد مقدمتين :
المقدمة الأولى : في تحقيق ما هو محل النزاع في المقام ، فنقول : ان هنا نزاعين ، احدهما : وقع بين الخاصة والعامة ، والآخر وقع بين الخاصة انفسهم ، أما النزاع الذي وقع بين الخاصة والعامة في جواز الاعتماد على الدليل العقلي فموضوعه هو الدليل العقلي ؛ بمعنى القضايا العقلية الظنية كالقياس ، والاستحسان ، ونحو ذلك من المدارك الذي استهدفها فقهاء العامة ، وبنوا على حجيتها ، واستنبطوا الاحكام الشرعية منها ، ولذا عد أبو حنيفة فاتح باب العقل في الاسلام لقوله بحجية القياس ، ومن هنا كان الحق مع الخاصة الذين ذهبوا الى عدم حجية العقل بهذا المعنى ، وذلك لأنه بعد فرض ابطال ما توهم دليلا على حجية ذلك بالخصوص يكفي في عدم حجيته نفس العمومات والمطلقات الرادعة عن العمل بالظن ، مضافاً الى اصالة عدم الحجية في نفسها.
وأما النزاع الذي وقع بين الخاصة انفسهم ـ أي بين الاصوليين والاخباريين حول العقل ـ فموضوع القضية هنا يختلف عن موضوع النزاع هناك ، فموضوعه هنا ليس هو القضية العقلية الظنية وما كان من قبيل القياس والاستحسان وان ذكر بعض الاخباريين تشنيعا على الاصوليين انهم يعملون بالقياس مثلا ، ونحو ذلك من التشنيعات إلا أن كل ذلك خارج عن ما هو الموضوع الحقيقي للنزاع ، وعن مورد النفي والاثبات بين المجتهدين والمحدثين ، بل ما هو مورد النفي والاثبات هو القضايا العقلية القطعية ، أي المقرونة بالجزم من قبل النفس التي يمكن ان يستكشف منها حكم شرعي ، وبهذا يعني بقيد الجزم واقتران القضية العقلية بالجزم ، تخرج