وإما خبر آحاد ، والثاني عالة على الأول.
والمتواتر انما يثبت بضم حكم من العقل النظري ، فان التواتر معناه نقل حادثة معينة عن حس نقلا يقترن بخصوصيات كمية وكيفية تبلغ الى درجة بحيث يحكم العقل بالملازمة بين هذا النقل وبين صحة المنقول ، وبامتناع انفكاك احدهما عن الآخر ، فبدون ضم حكم العقل بالملازمة في المقام لا يمكن استنتاج ثبوت الدليل اللفظي من ناحية التواتر فاثبات الدليل اللفظي بالتواتر مثلا يحتاج اذاً الى نفس ما يحتاج اليه الحكم بوجوب الوضوء من ناحية الملازمة ، فلا فرق بين حكم العقل بالملازمة بين الوجوبين وحكم العقل بالملازمة بين الحادثة والنقل الخاص المتواتر ، فان سقطت قيمة العقل سقطت في كلا المقامين ، وتعذر حينئذٍ على الاخباري ان يثبت الدليل اللفظي لكي يعتمد عليه في مقام الاستنباط.
ويرد عليهم ثالثاً ، على سبيل النقض ايضا : انه لو فرض وصول الدليل اللفظي الى الاخباري لما أمكنه ان يستنبط منه حكما شرعياً ؛ لأن استنباط الحكم الشرعي من الدليل اللفظي كثيراً ما يتوقف على تأملات عقلية ، تكون في معرض الخطأ والصواب على حد سائر أحكام العقل ، فعلى سبيل المثال ملاحظة النسبة بين الدليلين من حيث كونهما متساويين ، أو عامين من وجه ، أو غير ذلك كثيراً ما يحتاج الى تأمل عقلي خاصة اذا وقعت المعارضة بين اطراف ثلاثة أو أكثر ، فان استنتاج النسبة حينئذ يكون عملا عقليا في مستوى سائر القضايا العقلية التي يكثر فيه الخطأ.
وهكذا يتضح ان لازم شبهة الاخباريين هو انسلاخ العقل النظري بقول مطلق عن الحجية المنطقية ، فيترتب على ذلك حتما سقوط تمام البراهين على اثبات مبادئ الكتاب والسنة أولا ، وسقوط تمام البراهين على اثبات نفس الدليل اللفظي ثانياً ، وتعذر استفادة الحكم من الدليل اللفظي في كثير من الموارد ثالثاً.
الفرق بين اليقين الأصولي واليقين المنطقي
كان أساس شبهة الاخباريين في دعوى قصور عالم الاستكشاف للدليل العقلي يقوم على ملاحظة كثرة الاخطاء في الاحكام العقلية ، الأمر الذي يبرر في