فاليقين في كتاب البرهان يعني اصطلاحاً شيئاً أكثر مما يعنيه الجزم العقلي في عرف الاصولي ؛ لأن الجزم في عرف الاصولي لا يعني اكثر من القطع الذي لا تردد فيه.
وأما اليقين المنطقي فهو يعني حقانية ذلك القطع ، وضمان مطابقته للواقع ، فحين يقال في كتاب البرهان : ان البرهان ينتج نتيجة يقينية من مقدمات يقينية ، يراد بذلك ان نتيجة البرهان مضمونة الصحة تبعا لضمان صحة مقدماته.
وأما الجزم كحالة يقينية وبمعناها الاصولي فهو لا يختص بكتاب البرهان كما هو واضح ، واذا عرفنا اختلاف الاصطلاحين اقتربنا الى معرفة اختلاف الهدفين ، فان هدف الاصولي بالنسبة الى الادلة العقلية يتحقق بمجرد حصول الجزم من ناحية الدليل العقلي ، وثبوت الحجية الأصولية لهذا الجزم بمعنى المنجزية والمعذرية ، ولا يهمه كاصولي ان يكون هذا الجزم حقانيا ؛ لأن الحجية بمعناها الأصولي المشتمل على المنجزية والمعذرية لا تختص بخصوص هدف الاصولي ، وكاف في ترتب الحجية الاصولية عليه ، وأما المنطقي والفيلسوف فحيث إنه بصدد استكشاف الواقع الموضوعي ، واختبار مدى التطابق بين العقل والواقع ، فهو لا يبحث عنه انه هل يوجد جزم أم لا يوجد ، وانما يبحث عن حقانية الجزم ومدى ضمان مطابقته للواقع ، ولا يعني بالبحث عن الحقانية حقانية كل يقين في كل مورد بالنسبة الى المتيقن فان المتيقن لا يحتاج في مورد يقينه شخصا الى ضمان لحقانية يقينه ؛ لأنه لا يحتمل الخطأ ليفتش عن الضمان لعدمه.
وإنما يراد بالبحث عن حقانية القطع أو العلم أو الجزم التوصل الى طريقة عامة في التفكير العقلي تكون مضمونة المطابقة للواقع ، بحيث تبين على اسلوب القاعدة الكلية ، فيقال مثلاً : ان القضايا التجريبية القائمة على اساس الحس والتجربة مضمونة الصحة ، فغرض المنطقي هو التفتيش عن حقانية عامة كهذه في المعرفة والتفكير البشري ، وقد تبنّى علم المنطق على ايدي فلاسفتنا المسلمين ومن قبلهم