صغروية المتأخرة عنها بمرتبتين يكون بديهياً ، أي نتيجة للشكل الأول من القياس البديهي الانتاج.
الأمر الثاني : في بيان امثلة للنوع الثالث من العقل ، وهنا نكاد إذا استثنينا الرياضيات والمنطق نجد هذا النوع الثالث في جميع العلوم الأخرى ، ففي العلوم الطبيعية مثلاً يستنتج العالم الطبيعي أن حركة الجزئيات علة للحرارة بهاتين المقدمتين. لو لم يكن ألف علة لباء لم يكن لباء علة اطلاقاً ، ولكنه له علة بمقتضى قانون العلية اذاً فألف علة باء ، والمقدمة الثانية من الدليل تعبر عن مبدأ من مبادئ العقل الأول ، أو العقل المكتسب منه اكتساباً منطقياً مباشراً ، وأما الصغرى فانما هي تثبت لدى المدعي باعتبار جزمه بانه فحص ولاحظ كل ما يحتمل كونه علة لباء فوجده لا يستتبع باء حال عدم وجود الف ، ولا يتأثر ولا يؤثر عدمه في استتباع الف لباء.
ومن الواضح ان جزمه بأنه لا يوجد بعد هذا شيء آخر لم يبحثه في تجاربه ، ولم يستطع عزله عن ألف ليرى مدى تأثيره على باء ليس بديهياً ؛ لأنه مما يقع فيه الخطأ كثيراً كما يشهد بذلك تاريخ العلوم الطبيعية ، كما انه ليس مكتسباً برهانياً وبطريقة القياس من البديهيات لعدم وجود الحد الاوسط ، وإلّا لنقلنا الكلام اليه ، فهو اذاً جزم عقلي من نوع ثالث لا هو مضمون ذاتاً ، ولا هو مضمون عرضاً بالمنطق ، وكذلك الحال ايضاً في مختلف الاستنتاجات في العلوم الطبيعية ، ويمكننا ان نمثل ايضاً في الجزم العقلي القائم على اساس حساب الاحتمالات الذي هو مرد الجزم في الحقيقة في باب المتواترات التي عدت في المنطق الارسطي من مواد البرهان اليقينية ، وهناك امثلة من الفلسفة ايضاً.
الأمر الثالث : ان هذا النوع الثالث من العقل غير المضمون هو من ناحية أوهن من العقلين السابقين لأنه غير مضمون لا ذاتاً ولا عرضاً ، ومن هنا كان المصدر الخطير لكثرة الخطأ ، ويمتاز من ناحية أخرى بانه يكسب معرفة جديدة لذلك المعنى الذي نفيناه عن العقل المكتسب ؛ أي انه ليس مجرد تفصيل مجمل ، بل هو تخطي ميدان الى ميدان ، والعبور من حقيقة الى حقيقة اخرى غير كامنة في الحقيقة الاولى