بديهياته وما هو قريب من البديهي ، والشرط الآخر هو تصور الحدود في قائمة العقل النظري تصوراً يستوعب تمام موضوعات تلك الحدود ومحولاتها ، ففي حالة عدم الذهول والتصور المستوعب يكون العقل المكتسب حقانياً مضموناً بالعرض وبسبب العقل الأول ، فصناعة المنطق بوصفها صناعة لا دخل لها في هذا الضمان عند توفر كلا الشرطين وإنما هي بوصفها الصناعي تقوم بوقاية الشخص إلى حد ما عن الذهول أو اختلاط الحدود عليه تصوراً ، وهذه الوقاية ليست الى درجة الضمان والعصمة فانما هي ضمانة الى حد ما يختلف باختلاف مدى تمكن الفرد من الصناعة المنطقية والصناعة التي يمارسها ويطبق المنطق عليها ، فمضمون المنطق بوصفه قضايا يشترك في عملية الضمان بالعرض لما يستنبط منه عند توفر الشرطين ، وأما بوصفه صناعة فهو يقي من اختلال هذين الشرطين وقاية ناقصة.
وهناك عقل ثالث ليس مضموناً بالذات ، ولا بالعرض ، ولا مكفول الحقانية بالمنطق الصوري الأرسطي ، لا باعتباره قواعد وقضايا ، ولا باعتباره صناعة ، ان هذا العقل كما عرفنا يفقد كل تلك الضمانات الذاتية والعرضية والوقاية المستمدة من صناعة المنطق. وهذا العقل الثالث هو مسار الخطأ على الغالب ، وفيه يدخل العقل القائم على اساس التجربة ، والعقل القائم على أساس النقل ، والعقل القائم على أساس حساب الاحتمالات على تفصيل في ارجاع بعض هذه المصادر الى بعض.
وهذا العقل الثالث قد استعمل في علم الاصول ايضاً كما في بحث التواتر ، وبحث الاجماع ، وبحث الشبهة الغير المحصورة التي برهن فيها على جواز اقتحام بعض الاطراف بتقريب يرجع بالتحليل الى حساب الاحتمالات والمبرهن هو المحقق العراقي (قده). ان تفكير الاصولي في هذه المجالات يقوم على اساس العقل الثالث. ولأجل هذا ، ولأجل ان هذا العقل الثالث لم يكن ملحوظاً في المنطق الارسطي بشكل مباشر ، ولا في علم الاصول منذ ولد حتى الآن ، نجد من الضروري ان نبحث قواعد هذا العقل وطريقة الاستدلال فيه ، وان نرجعه الى اصوله ، وان نرى مدى ما يمكن من التحرز عن الخطأ فيه ، وبتعبير آخر ان وضع منطق لهذا العقل الثالث يقي من الخطأ فيه حينما نريد ان نستدل به كأصوليين وقاية المنطق