القضية الظنية والاحتمالية بالعقل العملي تكفي الاخباري هنا بدون حاجة الى التسليم بتمامية عالم الاستكشاف ؛ لأن القضية الاحتمالية المذكورة تؤدي الى احتمال العقاب ، واحتمال العقاب محرك ذاتي بلا توسط أي عقل عملي أو تحسين وتقبيح.
وأما الأشعري فهو وإن كان لا يمكنه دعوى القبح ولو على مستوى قضية احتمالية لأنه ينكر اصل الحسن والقبح ، ولكنه يمكنه ايضاً تتميم المحرك الذاتي بلا حاجة الى توسيط عقل عملي ، وذلك لأنه بعد ان اثبت بالعقل النظري حسب زعمه امكان صدور العقاب من المولى لأي شخص وفي كل حال فإن تأكيد هذا المولى على وجود العقاب واعلانه عن جعل هذا العقاب على المعصية يورث في حالة العقل السوي المتعارف احتمال العقاب بدون الاستعانة بحكم العَقْلُ بقبح الكذب مثلاً ، وهذا الاحتمال قضية احتمالية للعقل النظري لا للعقل العملي الذي ينكره الاشعري بتاتاً ، واحتمال العقاب محرك ذاتي كما عرفنا سابقاً ، هكذا نعرف ان القضية الاحتمالية في العقل النظري للأشعري والقضية الاحتمالية في العقل العملي للاخباري تعوضان عن الموقف الجزمي من العقل العملي ، وتغنيان عن الاعتراف بحكم العقل العملي البتي بوجوب الطاعة وقبح المعصية.
ويمكن الجواب عن النقض الأول ايضاً بتقريب آخر ، فلا يكتفى باحتمال العقاب على نحو القضية الاحتمالية في العقل النظري ، بل يقال ان بإمكان الاخباري والاشعري رفع مستوى هذه القضية الى قضية جزمية في العقل النظري دون الوقوع في تناقض مع مبانيهم واصولهم ، أما الاخباري فهو كما عرفنا لا ينكر المعقول وانما ينكر العقل أي انه يسلم باتصاف الأفعال في الواقع بالحسن والقبح ، وانما لا يثق بادراك الانسان غير المعصوم لذلك ، كما لا يثق بادراك الامكان والاستحالة مثلاً ، ويحصر مصدر الوثوق بالدليل اللفظي الوارد عن مصدر العصمة ، وعلى هذا الاساس يمكنه ان يقول : إن قبح المعصية وحسن الطاعة لا اثبته بعقل عملي مستقل ، بل بالأدلة اللفظية الدالة على قبح المعصية وحسن الطاعة ، ولا يرد على هذا ما كان يورد في النقض على الشق القائل بكون وجوب الطاعة شرعياً ، وان