شرعية وجوب الطاعة بمعنى كونه مجعولاً للشارع امر غير معقول ، لأن نفس هذا الوجوب المجعول يحتاج بدوره ايضاً الى ايجاب طاعته ، وهكذا حتى يتسلسل.
واما شرعية الوجوب لا بهذا المعنى ، بل بمعنى استكشاف الوجوب العقلي والقبح الواقعي للمعصية عن طريق قضية اخبارية في الدليل اللفظي الصادر عن المعصوم بحسب مباني الاخباري ، فهذا لا يؤدي الى تسلسل ، أو أي محذور آخر.
نعم ان اصل الاحتفاظ بالدليل اللفظي مع اسقاط العقل كلية أمر غير ممكن ، ولكن هذا يرجع الى النقوض التي تقدمت على اسقاط الاخباريين للعقل النظري ، والآن انما نتكلم في النقض من ناحية العقل العملي بقطع النظر عن سائر الجهات الاخرى ، وقطع النظر كذلك يسمح للاخباري بدعوى قطعية الدليل اللفظي ، وعدم الحاجة الى الادراك المستقل لاثبات قبح المعصية واقعاً لأن قبح المعصية مما يثبت بالدليل اللفظي المعتبر اخبارياً ، فالنقض نشأ من عدم التمييز بين وجوب الطاعة شرعاً ، بمعنى جعل الشارع لهذا الوجوب ، وبين وجوب الطاعة عقلاً المستكشف عن طريق قضية اخبارية في الدليل اللفظي الشرعي ، فالمحال هو الأول دون الثاني.
وأما الأشعري فهو لا يمكنه ان يستعمل هذه الطريقة الى ان يثبت القبح الواقعي للمعصية عن طريق اخبار الشارع بدلاً عن اثبات حرمتها عن طريق جعل الشارع ؛ لأنه ينكر اصل الحسن والقبح ، فلا حسن ولا قبح في الواقع عند الاشعري ليمكن للشارع ان يخبر عنه ويدركه ، او للانسان ان يحكم به.
ولكن الأشاعرة حين ينكرون الحسن والقبح العقليين يقولون : ان المقصود نفي جهات استحقاق المدح والذم في الافعال ، لا نفي صفة الكمال والنقص عن الافعال والصفات ، أو صفة الملاءمة للنفس وعدم الملاءمة ، أو بتعبير أعم المصلحة أو المفسدة ، فان العقل النظري يدرك باعتراف الاشعري كون العلم كمالاً مثلاً ، وكون الجهل نقصاً ، كما يدرك كثيراً من المصالح والمفاسد ، فالمنفي عند الاشعري هو ان يتعقب ذلك العقل النظري عقل عملي يدرك زائداً على الكمال وذات المصلحة والمفسدة كيفية استحقاق الذم أو المدح.