الجهة الأولى
وتحقيق الكلام فيها يتوقف على تمهيد مقدمة نشير فيها الى نقطة وهي : إن الحسن والقبح الشرعيين اللذين يؤمن بهما الاشعري ، ولا يؤمن بسواهما ، يختلفان سنخاً عن الحسن والقبح بالمعنى الآخر المفروض وراء الشرع ، وبقطع النظر عنه ، فان الأول هو الحسن والقبح بالحمل الأولي ، لأن مرجع كون شيء حسناً أو قبيحاً في الشرع الى جعل الوجوب أو الحرمة مثلاً له ، فمن المعلوم ان الجعل التشريعي انما يتعلق بالعناوين ، فالمجعول فيه مثلاً هو عنوان كون الصلاة مما ينبغي ، ومما يستحسن ، وعنوان كون الكذب مما لا ينبغي ، ومما يستهجن ، فحال جعل الشارع للحسن والقبح تشريعاً حال جعل السلطنة لشخص بحسب عالم التشريع ، فكما انه لا يعقل كون السلطنة المجعولة تشريعاً هي واقع السلطنة وما هي بالحمل الشائع سلطنة ، وانما هي السلطنة عنواناً واعتباراً كذلك الاستحسان والاستقباح في المقام.
وأما الحسن والقبح بالمعنى الذي يدعيه العدلي من اهل الحق ، وهو الحسن والقبح بالحمل الشائع ، أي ادراك واقع الاستحسان وواقع الاستهجان لا صرف عنوانهما ، فالفرق بينهما ، أي بين الحسن والقبح الشرعيين والحسن والقبح في نظر العدلية هو الفرق بين السلطنة مجعولاً في عالم الاعتبار والسلطنة الحقيقية بحسب عالم الخارج. وبعد توضيح هذه المقدمة نقول :
ان الأشعري إما ان يعترف باننا ندرك المعنى الثاني للحسن والقبح ، أي اننا ندرك حسناً وقبحاً غير شرعيين ، ونجد في انفسنا واقع الاستهجان والاستحسان لا صرف المفهوم ، وإما أن ينكر الاشعري ادراكنا لحسن وقبح وراء الحسن والقبح الشرعيين ، فعلى الأول ينحصر اعترافه بدعوى ان هذا الادراك مضيق غير حقاني ، ولا مطابق له في الواقع ، وهذا بحث يرجع الى الجهة الثالثة التي سيأتي الكلام عنها ، وأما إذا انكر الاشعري علينا ادراكنا لحسن وقبح وراء الحسن والقبح الشرعيين فهذا هو البحث الذي يتصل بالجهة الاولى على تفصيل سيظهر خلال الكلام. وهذا الانكار من الاشعري لأصل ادراكنا لشيء من الحسن والقبح خارج