حدود الشرع يمكن ان يفسر ويقرب بعدة تقريبات :
فقد يقال اولاً في تقريب هذا الانكار : ان الاشعري يوافقنا ويشاركنا في ادراك الحسن والقبح على وجه الاجمال ، ويرى معنا صحة هذا الادراك ، وانما يختلف معنا في تفسير المدرك ونسبته الى الشريعة ، فهو يثبت هذه النسبة ، ونحن ننفيها ، فانكار الاشعري لادراك وراء الشرع للحسن والقبح يرجع بناء على هذا الى خلاف في تفسير الحسن والقبح المدركين عند الجميع باعترافهم جميعاً ، فيكون النزاع نظري شخصين يتفقان على أن زيداً قتيل ويختلفان في ان قتله هل هو من ناحية المولى وبجعل منه ، أو من ناحية اخرى لا ترتبط بالمولى ، فالخلاف هنا ليس في اصل الحسن والقبح ، ولا في أصل القتل ، بل في نسبة ذلك الى المولى.
وهذا التقريب يناسب تحرير عنوان المسألة في كلمات الاشعريين ، لانهم يبينون في هذا البحث عادة الحسن والقبح واقسامهما ، و : انهم بهذا يبينون مورد الالتقاء والوفاق ، ثم يبينون ان هذا الحسن والقبح ليس الا شرعياً ، خلافاً للعدلية ، فكأنهم يريدون ان يقولوا بذلك ان الحسن والقبح الذي يدركه العدلي ندركه نحن ايضاً ، وهو مصيب في ادراكه غير انه مخطئ في نفي نسبته الى الشرع ، أي في نفي نسبة الحسن والقبح الذي ادركه كما ادركناه الى الشرع ، ولأجل هذا يذكر اصحابنا في الرد عليهم بهذا الصدد ان الحسن والقبح يدركهما من لا يدرك شرعاً ولا شريعية ، فانهم بهذا النقض يريدون ان يبرهنوا على نفي نسبة المدرك لنا الى الشرع ، باعتبار مشاركة غير المشرع لنا في ادراكه ، فان كل هذه الكلمات تشير الى ان خلاف الاشعري انما هو في نسبة المدرك الى الشرع بعد الاتفاق على ادراك الحسن والقبح على حد ادراك العدلية.
والنزاع حينما يقرب بهذا البيان يكفي فيه حينئذٍ لحل مغالطة الاشعري الرجوع الى المقدمة التي ذكرناها في الفرق بين الحسن والقبح الشرعيين وبين ما يدركه الانسان منا من واقع الاستهجان والاستحسان.
فالحسن والقبح المنسوب الى الجعل الشرعي لا يتفق سنخاً مع ما هو حسن