وقبيح بالحمل الشائع ليمكن حصول الاتفاق على اصل ادراك الشيء مع الاختلاف في نسبته ، فلو فرض ان المتنازعين يصدق احدهما الآخر فيما يحدث عن ادراكه ووجدانه فلا بد لهما من الاعتراف بعدم وجود ادراك موحد فيهما لمدرك موحد ، ففرض النزاع في النسبة لا في الادراك والمدرك هو الخلط بين الحمل الأولي والحمل الشائع ، وبالتمييز بينهما تنقطع دعوى الاشعري بهذا التقريب دون حاجة الى التمسك في مقابله بادراك من لا يؤمن بشرع أو شريعة إلهية كما فعل اصحابنا ، بل يكفي لاصحابنا ان يقولوا اننا ندرك ما هو بالحمل الشائع حسن أو قبيح ، فلو كان مدركنا شرعياً لكان كذلك بالحمل الأولي وبالعنوان ، لا بالحمل الشائع وبالحقيقة ، دون حاجة الى الاستعانة بادراك البراهمة وأمثالهم ممن قيل عنهم انهم لا يدينون بدين سماوي.
وقد يقال ثانياً : انا نفترض الأشعري منتبهاً الى الفرق بين الحمل الأولي والحمل الشائع وإلى اختلاف السنخين ، ونتصور دعواه بتقريب انه يقول : ان الانسان يدرك ما هو بالحمل الأولي ، ولا يدرك ما هو بالحمل الشائع.
والتحقيق : ان هذا الكلام تارة يقصد به ان العدلي لا يدرك ما هو حسن وقبيح بالحمل الشائع ، واخرى يقصد الأشعري بهذا انني انا لا ادرك ذلك وان ادركه خصمي ، بل ان قصارى ادراكي هو ادراك الحسن والقبح الشرعيين ، أي ما هو حسن وقبيح بالعنوان لا بالحقيقة ، وبالجعل لا بالواقع ، فان أراد الأول رجع الى تكذيب الخصم فيما ينقله عن وجدانه ولم يكن نزاعاً علمياً ؛ لأن النزاع العلمي يقوم على أسس التخطئة لا التكذيب ، وان اراد الثاني قائلاً بأني اعترف بوجود هذا الادراك عند الخصم ، ولكنني لا اشاركه فيه ، فهذا في الحقيقة يرجع الى البحث في الجهة الثالثة ؛ لأن عدم مشاركة الاشعري لأهل العدل في قضايا العقل العملي مردها علمياً الى انه يرى ان هذا العقل غير مطابق للواقع ، إما بمعنى انه غير مضمون الحقانية فلا يجزم به ، أو بمعنى وجود برهان على كذبه ، وكل ذلك بحث في الجهة الثالثة التي يأتي الكلام عنها.
فمن أساليب التشكيك مثلاً أن يقال : ان هذا الادراك ليس نتيجة للفطرة