يكون كمالاً للانسان بلحاظ احدى جهاته وقواه ، وهذا الاحتمال يمكننا تفنيده ، بتقريب : ان المصلحة الشخصية التي تعتبر ملاكاً للحسن والقبح إن اريد بها المصلحة التامة المحركة بالفعل لأدى ذلك الى فرض حتمية صدور الحسن وحتمية ترك القبيح ، والتالي باطل لأن الانسان المدرك للقبح قد يرتكب فعلاً يراه قبيحاً بالفعل ، فالقبيح لا يدور اذاً مدار المصلحة المحركة بالفعل أو المفسدة المحركة بالفعل ، وإن أريد بالمصلحة ما كان من شأنه التحريك وإن لم يحرك بالفعل فيرد عليه ان ملاك الحسن والقبح المدرك ليس متمحضاً في ذلك بدليل ان من يرتكب القبيح المدرك قبحه فيخون صديقه مثلاً يستشعر الحياء والخجل في نفسه نتيجة للخيانة القبيحة التي ارتكبها بعد ان ادرك قبحها ، مع أنه لا يستشعر ذلك حين يفوت على نفسه مصلحة شخصية يؤمن بمصلحيتها ، فحينما يدخن مثلاً يؤمن بانه يفوت بذلك على نفسه مصلحة ، أو يجلب لها مفسدة ، ويحس أحياناً بالأسف أو الندم ، وقد يقلع نتيجة لذلك عن العادة ، ولكنه لا يمنى بالحياء والخجل ، فالفرق البديهي بين حالتي الأسف والحياء يبرهن على ان ادراك الحسن والقبح لا يتمحض ملاكاً بالمصلحة الشخصية ، وإلا لكان مفعول الخيانة نفسياً متفقاً مع مفعول التدخين أو غيره من اساليب تفويت المصلحة الشخصية ، أو اساليب الوقوع في المفسدة الشخصية التي لا تدرك فيها جهة قبح أو حسن بما فيها الانتحار فضلاً عما دونه.
الاحتمال الثاني ربط ادراك الحسن والقبح بخصوص نوع معين من المصلحة الخاصة ، وهو ما يرجع الى كمال النفس ونقصها ، فملاك الحسن هو الكمال ، وملاك القبح هو النقص في هذه المرتبة.
ويرد عليه : ان فعل الحسن وان كان كمالاً للنفس ، كما ان فعل القبيح منقصة للنفس ، ولكن ليس حسنه وقبحه في طول كونه كمالاً أو منقصة ، بل كونه كمالاً أو منقصة في طول حسنه وقبحه ، فالأمانة كمال لأنها اطاعة للعقل العملي وللقانون الخلقي ، وليست اطاعة للقانون الخلقي والعقل العملي لأنها كمال.
والدليل على هذا انه لو كان الحسن والقبح في طول الكمال والنقص كما هو مقتضى هذا الاحتمال الثاني للزم ارتفاع قبح القبيح فعلاً لقانون المزاحمة فيما اذا