توقف عليه تحصيل كمال للنفس هو أشد وأهم من المنقصة التي تمنى بها عن طريق الفعل القبيح ، فالشخص الذي يتمتع بملكة كتمان السر يقبح منه كشف سر أحد من اصدقائه لشخص آخر مثلاً ، وتفسير هذا القبح على أساس هذا الاحتمال الثاني هو ان كشف هذا السر مقدمة اعدادية لتنقص وتضعف ملكة كتمان السر في النفس ، فيكون قبيحاً باعتبار ما يؤدي اليه من درجة تضعف تلك الملكة.
فاذا افترضنا ان شخصاً أراد نه ان يكتشف له سر اخيه ، فيخون ذلك الأخ ويمنحه في مقابل ذلك فيضاً روحياً أو فكرياً ، بحيث يكتسب به ملكة علمية راقية ، كان من لازم هذا الاحتمال الثاني ان يقع التزاحم بين جهة النقص وجهة الكمال ، وحيث ان ما يحصل عليه الشخص من الكمال نتيجة لكشفه السر أهم مما يخسره ومما يمنى به من نقصان فلا بد ان يقال بارتفاع قبح القبيح وحسن كشف السر في هذه الصورة مع ان التالي باطل ، وهو يبرهن على ان الملاك ليس هو محض الكمال بالمعنى المزعوم.
الاحتمال الثالث : ربط ادراك الحسن والقبح في وجداننا بباب المصالح العامة ، فملاك الحسن هو دخله في حفظ النظام العام ، والتعايش العام وملاك القبح هو منافاته لذلك واضراره به ، وهذا الاحتمال يمكن البرهنة على ابطاله عن طريق نفس الفرضية السابقة التي استخدمناها لابطال الاحتمال الثاني ، فان لازم هذا الاحتمال الثالث في تلك الفرضية ان يلحظ في مقام التزاحم بين قبح كشف السر وبين الفائدة المترتبة على ذلك مقدار المصلحة العامة بحيث لو فرض ان الفائدة التي تحصل لمن يكشف السر هي أفيد للعموم وأكثر تاثيراً في ابقاء النوع وحفظ النظام العام لجاز كشف السر وخيانة الأخ ، ولما كان قبيحاً بالفعل ، مع أن الذي ندركه بقطع النظر عن حقانيته وعدم حقانيته لا يزول بمثل ذلك ، فالشخص المفروض غير معذور في كشف السر خلقياً ، وبحسب قانون العقل العملي بمجرد ان المصلحة العامة التي تترتب على ذلك اقوى من المفسدة العامة التي تنشأ من كشف السر.
نعم يعذر في كشف السر خلقياً اذا توقف على ذلك حفظ حياة صاحب السر ،