ونحو ذلك من الحيثيات الاكثر اهمية منه في وجود صاحب السر ، فهذا كله يدل على ان الحسن والقبح الذي ندركه وان العقل العملي الذي نجده لا يتمحض ملاكا بباب المصالح والمفاسد لكل واحد من المعاني السابقة.
نعم هنا وجه رابع لربط الحسن والقبح بباب المصلحة والمفسدة ذكره المحقق الخراساني (قده) في فوائده ، ولا ادري ما اذا كان اختياره لهذا الوجه دون بعض الوجوه السابقة ناتجاً عن التفاته إلى خلل في تلك الوجوه ، أو لتفتيشه عن اساس اعمق.
وخلاصة هذا الوجه ربط الحسن والقبح بخيرية الافعال وشريتها بالمعنى الفلسفي الذي مرده الى سعة الوجود وضيق الوجود.
وهذا الوجه يتوقف على بيان مقدمة وهي : ان مرجع الخير الى الوجود ، ومرجع الشر الى العدم ونقص الوجود ، وان سعة الوجود وضيق الوجود كما يتصور في الاشياء الخارجية كالانسان والحيوان والجماد والنبات كذلك يتصور في الافعال ، فانها بدورها ايضاً تختلف في سعة الوجود وضيقه ، وتختلف بسبب ذلك في مدى خيريتها وشريتها وبركتها وشؤمها ، فكل ما كان الشيء عيناً أو فعلاً أوسع وجوداً كان اكثر بركة وخيراً ، والعكس بالعكس. اذا تمهدت هذه المقدمة يقال :
ان القوة العاقلة حينما تدرك الاشياء يناسبها ما كان منها اوسع وجوداً باعتبار سعة وجودها ، ولا يناسبها الضيق في وجودها باعتبار عدم السنخية ، وعليه فلا غرو أن يكون ادراكها للأفعال الواسعة وجودياً من باب ادراك الملائم لأجل تلك المناسبة والسنخية ، ويكون ادراكها للافعال الضيقة وجودياً ادراكاً للمنافر بملاك عدم المناسبة والسنخية ، فيحصل لها عند ادراك الملائم الانبساط والالتذاذ ، ويحصل لها عند ادراك المنافر الانقباض والانكماش والاشمئزاز ، حالها في ذلك حال سائر القوى الدراكة في الانسان ، فكما ان قوة الحس البصري أو الشمّي أو الذوقي يكون ادراك المنظر القبيح ، أو الرائحة الكريهة ، أو الطعم المرّ ادراكاً للمنافر بالنسبة اليها كقوى ، أو الى النفس في مرتبتها بتعبير آخر ، ويكون ادراكها للحديقة الجميلة ،