وللرائحة الطيبة ، وللطعم اللذيذ ادراكاً للملائم ، فتنبسط عند هذا ، وتنقبض عند ذاك ، كذلك القوة العاقلة تنبسط وتنقبض بادراك الملائم والمنافر فيكون الشيء ملائماً ومنافراً لها بملاك السنخية وعدمها من حيث سعة الوجود وضيقه ، ولا نريد بالحسن والقبح العقليين إلا ذلك ، وهو يكفي لصحة المدح في الأول ، وصحة الذم في الثاني (١). هذا تمام توضيح ما أفاده (قدس سره).
ويرد عليه اولاً : ان في ذلك خلطاً بين المدرك بالذات والمدرك بالعرض ، بعد فرض الاعتراف بالمقدمة الفلسفية التي بنى عليها كلامه ، فان القوة العاقلة حين تدرك العدل والظلم أو أنواعهما ادراكاً تصورياً أو تصديقياً يكون لها مدركاً بالذات ، وهو الصورة القائمة في عالم النفس التي هي نفس الادراك حقيقة لاستحالة تعلق الادراك بالخارج ، كما حققناه في بحث اجتماع الأمر والنهي ، ولها مدرك بالعرض ، وهو ما تحكي الصورة عنه ، وتكون فانية فيه فناء المرآة في ذي المرآة.
وبعد هذا التحليل نقول : ان المناسبة بين القوة العاقلة وبين مدركها التي جعلت ملاكاً للمنافرة والملاءمة وجوداً وعدماً إما ان تلحظ بين القوة العاقلة والمدرك بالذات ، وإما ان تلحظ بين القوة العاقلة والمدرك بالعرض ، اما بلحاظ المدرك بالذات الذي هو نفس الادراك فمناسبة القوة العاقلة مع جميع ادراكاتها على حد واحد لأن ادراكات كل قوة مجردة وجودياً بالقدر الذي يناسب صدورها عن تلك القوة ، ومناط سعة وجودها هو صدورها عن تلك القوة لا سعة وجود المدرك بالعرض وضيقه ، فادراك القوة العاقلة للجوهر المادي وادراكها للجوهر المجرد لا يختلفان في تجردهما وسعة وجودهما ، من حيث عقلانية القوة الصادر كل منهما عنها ، فليس ادراك الجوهر المادي مادياً مثلاً ، وادراك الجوهر المجرد مجرداً ليكون الاول اضيق وجوداً من الثاني وعليه فادراك العقل للظلم والعدل بأي معنى فرض يكون مناسباً للقوة العاقلة على نهج واحد ، ولهذا لا يمكن ان يقاس ذلك بالقوى الأخرى الدراكة ، كما وقع في كلامه (قدسسره).
__________________
(١) الفوائد ، المحقق الخراساني ، ص ٣٣٠ ، فائدة في اقتضاء الأفعال للمدح والذم.