ونقطة عدم القياس هي انه في قوة الشم مثلاً يكون الملائم والمنافر هو نفس المدرك بالذات الحاضر لدى القوة ، فانه يناسبها بما هي قوة شم ، ويلائمها ادراك الروائح الطيبة بما هو ادراك ، حتى لو فرض عدم وجود مطابق له ومدرك بالعرض ، كما انه ينافرها ادراك الرائحة الكريهة بما هو ادراك ايضاً ، بقطع النظر عن مطابقه ، فالأولى بحال قوة الشم في مرتبتها ان تدرك الرائحة الطيبة ، ولا تدرك الرائحة الكريهة ، وليس الأولى بالقوة العاقلة ان تدرك العدم ولا تدرك الظلم.
فاتضح ان انبساط قوة الشم وانقباضها انما هو لوجود الملائم والمنافر في افقها ، وحضوره لديها ، وهو نفس ادراك الرائحة الطيبة والكريهة ، وأين هذا من القوة العاقلة التي يكون الحاضر لديها ادراكاً مجرداً تجريدياً عقلانياً دائماً ، ونسبته الوجودية اليها على حد واحد؟.
وأما المدرك بالعرض فهو وإن كان يختلف في مناسبته مع القوة العاقلة باختلاف سعة وجوده وضيقه ولكنه ليس حاضراً لدى القوة ليؤثر في انبساطها وانقباضها ، وفناء الصورة فيه انما يصلح ان يحكم عليها بما له من خصوصيات وصفات كما يحكم على صورة النار في العقل بأنها حارة باعتبار فنائها في الخارج ، ولا يوجب الفناء سريان خصائص وصفات الخارج الى الصورة حقيقة لكي تسري المناسبة وعدمها من الخارج الى الصورة العقلية.
ويرد عليه ثانياً : النقض بأمور ان امكن الجواب على بعضها بالتكلف فهي بمجموعها نافعة للمقصود.
فمنها : ان لازم ما افيد ان العقل العملي بالتعبير العلمي ، او الضمير الخلقي بالتعبير الوعظي ، يتناسب طرداً وعكساً مع تجرد القوة العاقلة ، فكلما كانت اكثر تجرداً واقتناصاً للكليات وتجريداً لها عن شوائب الخصوصيات كانت اكثر ادراكاً لحسن الحسن وقبح القبيح ، مع ان المشاهد خارجاً هو ان كمال العقل العملي لا يرتبط بكمال العقل النظر وشدة تجرد القوة العاقلة في ادراك الكليات.
ومنها : ان لازم ذلك ان يدرك الأقوى تجرداً قبح ما لا يستقبحه الأدنى ، أي