قوانين باب التزاحم بين المصالح والمفاسد على باب العقل العملي ، مع انا عرفنا عدم خضوع المقام لتلك القوانين. هذا بالنسبة الى ملاك المدعي.
وأما بالنسبة الى نفس العقل العملي فلم يستحصل لنا من كلماتهم معنى واضح ، لأن جملة من هذه الكلمات التي وجدناها قد يمكن تطبيقها على وجهين :
أحدهما : ان الفلاسفة بقولهم مثلاً : انه لا محصل للقضايا المشهورة إلَّا الشهرة ، يريدون أنه لا سند لحقانيتها ، ولا ضمان لمطابقتها للواقع سوى الشهرة التي لا تصلح ضماناً من الناحية المنطقية ، لأن مفاد القضية ليس مما تدركه القوى العقلية أو الادراكية بشكل عام المركوزة في طبيعة الانسان وفطرته.
ولهذا ترى الشيخ الرئيس (قدسسره) يقول : ان الانسان لو خلق منفرداً لم يدرك قبح الظلم ولا حسن العدل لا بعقله ولا بحسه ولا بفهمه ولا بوهمه (١) ، فهذا الكلام غاية ما يعطي بيان عدم كون المعقول العملي معقولاً او مدركاً فطرياً للانسان لا عدم صحته في نفسه.
كما انه ذكر هو وشارح اشاراته المحقق الطوسي (قدسسره) ان القضايا المشهورة ليست بينة الصدق وإن كانت قد تصدق ، وهذا ايضاً يناسب مرتبة التشكيك في الحقانية ، لا دعوى كذب القضية رأساً ونفي حقانيتها (٢).
والوجه الآخر : ما هو الظاهر من كلمات المحقق الاصفهاني (قده) من دعوى انكار واقعية الحسن والقبح رأساً ، وان مرجع العقل العملي الى تطابق آراء العقلاء ، ولا واقع له وراء ذلك ، وبالرغم من اصراره على ذلك فانه لا يتحصل من كلماته في مقام الاستدلال سوى ما يكون نافعاً للمدعي على الوجه الاول دون الثاني ، لأنه في بحث التجري يحاول ان يبرهن على عدم كون قضايا العقل العملي من مواد البرهان ، وهذا المقدار من البرهنة لو تم وأخرج العقل العملي عن مواد البرهان فهو
__________________
(١) شرح الاشارات ، ج ١ ، ص ٢٢٠.
(٢) المصدر السابق.