المقام الاول
أما المقام الأول فمرجع الحسن والقبح المدرك بالعقل العملي الى الضرورة ، ولكن لا تلك الضرورة التكوينية المقابلة للامكان بحسب عالم التكوين ، بل سنخ آخر من الضرورة يختلف عن الضرورة التكوينية مرتبة وسنخاً ، فمن حيث المرتبة هي ضرورة في طول السلطنة التي هي قسيمة للوجوب أي الضرورة التكوينية والامكان ، وحيث كانت في طول السلطنة لا في عرضها كالضرورة التكوينية فلا محالة كانت تختلف عنها سنخاً ، لأنها لو كانت من سنخها ، وكان محصلها امتناع التخلف لكان ذلك خلف فرض السلطنة ، وفرض ان له ان يفعل وان لا يفعل ، فنفس تفرعها عن السلطنة تقتضي تغاير الضرورتين سنخاً.
والتمايز بين الضرورتين في عالم التصور بديهي لا يحتاج الى توسيط تعريفات منطقية ، كالتمايز بين الامكان والوجوب ، والوجود والعدم ، ونسمي هذه الضرورة التي هي في طول السلطنة بالضرورة الاخلاقية ، في قبال اطلاق اسم الضرورة التكوينية على الوجوب المقابل للسلطنة.
وهذه الضرورة الاخلاقية امر واقعي ، بمعنى انها ثابتة في لوح الواقع الذي هو في مبانينا اوسع من لوح الوجود ، فكما ان النسبة بين الوجود والماهية هي في لوح الواقع ، اما بالضرورة او بالامكان مثلاً كذلك النسبة بين الفعل والسلطنة على ذلك الفعل ، أو بين الترك والسلطنة على ذلك الترك.
وكما ان صفات تلك النسبة بين الوجود والماهية أمور واقعية ، بقطع النظر عن اعتبار أي معتبر ، كذلك ايضاً صفات هذه النسبة القائمة بين السلطنة والفعل والعقل ، وحيث كانت هذه النسبة متقومة بطرفيها وكان احد طرفيها هو السلطنة فلا محالة تختص الضرورة الاخلاقية بموارد السلطنة ، وهذا هو معنى اختصاص الحسن والقبح العقليين بالافعال الاختيارية.
وهكذا يتضح ان واقعية هذه الضرورة الخلقية هي بمعنى واقعية الضرورة