سبق مفصلاً في بحث الجبر والاختيار من مباحث اتحاد الطلب والارادة ، وسوف نكتفي هنا بمجرد الاشارة المختصرة الى ذلك بالمقدار الذي يتناسب مع ما نحن بصدده من تصوير المدعى في باب العقل العملي محيلين التفصيلات واكثر النكات والخصوصيات الى تلك المسألة.
فنقول : ان نسبة الفعل الى الفاعل عند الفلاسفة لا تخلو من احد امرين : الوجوب أو الامكان ، وعلى الأول تتم الفاعلية ويوجد الفعل ، وعلى الثاني تحتاج الى التتميم ؛ لأن الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وبناءً على ذلك وقع الاشكال بين الافعال الاختيارية وغير الاختيارية من حيث ان كلا منهما اذا لوحظ بالاضافة الى فاعله التام فهو بالوجوب والضرورة ، وإذا لوحظ بالاضافة الى الفاعل الناقص المحتاج الى التتميم أو الى المادة القابلة فهو بالامكان ، فأي فرق يبقى بين الفعلين بعد فرض استوائهما في كلتا النسبتين.
وفي مقام حل هذا الاشكال وتصوير الفرق اتجه الفلاسفة وانصارهم الى بيان الفرق والمائز للفاعل الاختياري مع التحفظ على نسبة الوجوب والامكان وانحصار النسبة بهما.
وذهب جماعة من المحققين الاصوليين الى اختيار كون النسبة الامكان دون الوجوب ، بدعوى كفايته في تحقق الفعل الاختياري بالتقريب الذي سوف نشير اليه ، وكلا الاتجاهين مما لا يمكن المساعدة عليه.
ولا بد لكي يتضح ذلك ان نشرح كلا النظرين بمزيد الاختصار.
أما النظر الأول الفلسفي فحاصله التفرقة بين الانسان المختار وأفعاله وبين غيره من العلل وآثارها بلحاظ تلك النسبتين ؛ أي نسبة الامكان ونسبة الوجوب ، فمن حيث النسبة الامكانية يلاحظ ان منطقة الامكان التي يمارسها الموجود تتناسب طرداً مع قوة ذلك الموجود ، فالحجر والنبات والحيوان والانسان لكل واحد منها منطقة امكان إلا أن كل متأخر في هذه السلسلة باعتبار كونه أكمل وجوداً من المتقدم عليه يتمتع بمنطقة أوسع ونطاق أرحب.