في تحقيق ما هو المقصود من الاختيار ، وإن كان المدعى انه اختيار بالمعنى المقصود فهو باطل ضرورة ؛ لأن المعنى المقصود هو تلك الخصوصية التي يراها العقل العملي دخيلة في اتصاف الافعال بالحسن والقبح واستحقاق المدح والذم والثواب والعقاب ، وبديهية العقل العملي تحكم بان من خلق ارادة تامة في تأثيرها في نفس غيره ، وصدر عنها الفعل لا يدرك حسن ذلك الفعل من الفاعل ولا قبحه ، ولا يصح منه عقابه أو اثابته.
وهنا لا بد من الالتفات الى نكتة وهي ان الفلاسفة اذا فرض انهم ينكرون واقعية العقل العملي لا يبقى معنى للنزاع معهم في اختيارية الافعال وعدمها إلا في مجرد الاصطلاح ، لما عرفت من ان العقل العملي هو المقياس الواقعي للاختيارية ولتحديد حدودها.
وعلى هذا إن رجع قولهم : ان الوجوب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، في قبال من يدعي المنافاة ، الى ان الوجوب بالارادة لا ينافي الارادة فهذا مما لم ينكره احد ، بل هو على حد قولنا : ان وجوب الحرارة بالنار لا ينافي النار ، ويكون اجنبياً عن محل الكلام.
وإن رجع هذا الكلام الى ان الوجوب بشيء نسميه اصطلاحاً بالاختيار لا ينافي الاصطلاح فهذا ايضاً كلام لا معنى له لأن باب الاصطلاح واسع ، ولا برهان فيه. وان رجع الى ان الوجوب في طول الاختيار بالمعنى المدرك بالعقل العملي شرطيته لا ينافي الاختيار فهو مما لا يثبت المطلوب إلا بعد اثبات ان الاختيار المدرك بالعقل العملي هو نفس الارادة التي حصل الوجوب بسببها ، بحيث ان هؤلاء ينكرون العقل العملي على ما ينسب اليهم ، فلا يناسبهم ايضاً هذا المحمل ، وهذا يؤيد ان مقصودهم من هذه العبارة ايقاع الصلح الظاهري مع العامة لا البرهان.
اما النظر الآخر الذي اتجه اليه جماعة من المحققين الاصوليين فهو دعوى تمحض النسبة في باب الافعال الاختيارية بالنسبة الامكانية.
وحاصل تقريب ذلك في كلماتهم ان نسبة الوجوب انما يلتزم بها بقاعدة ان