الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وهذه القاعدة لا نسلم اطلاقها لباب الافعال الاختيارية ، فان صدور الفعل الاختياري من الفاعل لا يحتاج إلا الى الامكان ، وبعد فرض الامكان يعمل الفاعل قدرته ويترتب الفعل حينئذٍ.
ولتوضيح مقصودهم قالوا : ان للانسان في موارد الاختيار عملين اختياريين ؛ احدهما : اختياري بنفسه وبالذات ، وهو نفس الاختيار وهو اعمال القدرة في عالم النفس ، والآخر : العمل الاختياري الخارجي الذي هو اختياري باعتبار نشوئه من الفعل النفساني الأول ، والفعل الثاني وإن كان مترتباً حتماً على الفعل الأول إلا أن هذه الحتمية لا تنافي الاختيار ، لأنها في طول الاختيار ، غير ان هذا الاختيار الذي تكون هذه الحتمية في طوله ليس هو الارادة التي اصطلح عليها الفلاسفة باسم الاختيار ، بل هو نفس اعمال القدرة في عالم النفس الذي هو فعل للنفس لا كيفية من كيفياتها ، ونسبته الى النفس نسبة الفعل الى الفاعل ، ونفس هذا الاعمال لا يحتاج الى اعمال سابق ، بل يكفي فيه مجرد امكان صدور الفعل من الفاعل ، وهذا معنى تخصيص قاعدة «ان الشيء ما لم يجب لم يوجد» ، ولتفصيل الكلام في شرح هذه النظرية ، وبيان وجوه الاعتراضات عليها مقام آخر ، إلا أننا نقول بنحو الاشارة هنا ان توسيط هذا الفعل النفساني في حل الاشكال لا موجب له ولا مسوغ.
إذ يمكن ان يُدعى في نفس الفعل الاختياري الخارجي ما ادعي في هذا الفعل النفساني ابتداء بعد فرض امكان تخصيص قاعدة «ان الشيء ما لم يجب لم يوجد» ، بل لا معنى لفرض كون اعمال القدرة فعلاً صادراً من النفس في صفتها ؛ لأن الإعمال والعمل شيء واحد على حد الايجاد والوجود ، فان اريد بالاعمال ايجاد نفس القدرة فمن المعلوم ان هذا خارج عن حدود اختيار الانسان ، فان اعمال القدرة بمعنى ايجادها فعل الواجب ، سبحانه وتعالى ، فينبغي ان يراد اعمال القدرة بمعنى ايجاد العمل المقدور ، ويكون حينئذٍ عنواناً ثانوياً لنفس الفعل الخارجي ، لا فعلا نفسانياً متقدماً عليه في الرتبة.
وأظن أن هؤلاء المحققين انما التزموا بتصور هذا الفعل النفساني المتوسط بين الفعل والفاعل باعتبار انهم ادعوا تخصيص قاعدة «ان الشيء ما لم يجب لم