يوجد» ، وأدركوا ان هذا التخصيص اذا ادعي في مورد يمكن ان يدعى في مورد آخر حتى ينتهي المطلب الى سد باب اثبات الصانع ، فانه اذا كفى في صدور الصلاة من الانسان امكانها فليكفِ في وجود المادة امكانها ، فأرادوا الوقوف في قبال سريان هذا التخصيص بتصوير هذا الامر المتوسط ليقال حينئذٍ ان هذا الأمر المتوسط لا يتصور في عالم المادة ، لأنه فعل نفساني ، مع ان الاشكال في الحقيقة باقٍ ، لأن نفس هذا الفعل المتوسط إن كفى في وجوده امكانه يتجه السؤال عن الفرق بينه وبين افعال المادة وحركاتها التي لا يكفي في وجودها امكانها.
وكل هذا الاضطراب نشأ من عدم وضع الشق الثالث في قبال الوجوب والامكان ، وهو السلطنة أو ما يعبر عنه بالمعنى الحرفي ، له ان يفعل وله ان لا يفعل ، فالوجوب حيثية الفاعلية محضاً ، والامكان حيثية القبول والاستعداد محضاً ، والسلطنة حيثية بين الحيثيتين ، وهي بحسب عالم التصور بديهية كبديهية تصور مفاهيم الوجوب والامكان والوجود والعدم.
ان كل انسان يدرك تصوراً الفرق بين قولنا لا بد ان يفعل ، ويمكن ان ينفعل ، وله ان يفعل ، وبعد اقامة البرهان على ان هذا المفهوم البديهي له مصداق في الخارج يلتزم حينئذٍ بصدور الفعل الاختياري ببركة هذه السلطنة ، ولا يلتزم بلابديّة الفعل تكويناً ، لأنها خلف فرض السلطنة ، كما لا يلتزم بفرض كفاية الامكان تخصيصاً لقاعدة «ان الشيء ما لم يجب لم يوجد» ، فان مرجع كلامنا ليس دعوى التخصيص الجزافي لهذه القاعدة العقلية ، بل الى وضع عدل للوجوب فيها ، بحيث نقول : ان ما يحكم به العقل هو ان الشيء ما لم يجب ، أو تكون هناك سلطنة على ايجاده لا يوجد. فنفي العدم إما بالوجوب أو بالسلطنة ، ولا يكفي فيه الامكان في جميع الموارد.
ومن هنا لم يكن الامكان كافياً في المادة وكان لا بد هناك من الوجوب لعدم ثبوت السلطنة للمادة ، ولم يبق إلا اقامة البرهان على ثبوت مصداق لهذه السلطنة ، وهذا ايضاً بحث مفصل لا بد من الاشارة اليه على وجه الاختصار والتلميح ، كما صنعنا بالنسبة الى النكات السابقة.