ادراك الحسن والقبح فهو دائماً يرجع الى اختلافهم في تشخيص مقتضيات التزاحم بين الجهة المحسنة والجهة المقبحة.
فتفصيله ان العقل العملي يرجع الى عقلين : الى عقل حسن الاشياء وقبحها في نفسها ، وإلى عقل ما هو الفعلي منها في موارد تزاحم الجهات المحسنة والمقبحة. وبالنسبة الى العقل الأول لا نسلم وقوع اخطاء من العقلاء في جميع الأمثلة التي تذكر لاختلاف الناس في ادراك الحسن والقبح ، فان ما هو حسن في نفسه يدرك الكل حسنه في نفسه ، كما ان ما هو قبيح في نفسه يدرك الكل قبحه في نفسه ، إلا الأبله الذي لا يدرك بديهيات العقل النظري ايضاً.
وأما ما هو المشاهد من الاختلاف فمرجعه الى العقل الثاني ، أي عقل باب التزاحم بين الحسن والقبح ، فكثرة الاخطاء انما هي في هذا العقل دون العقل الاول حتى في مثال تجويز قتل الرئيس والسلطان ، كما ينقل عن بعض المجتمعات التي تمنح السلطان للفرد الذي قدر على قتل السلطان السابق ، حتى في هذا المثال يرجع المطلب الى باب التزاحم بين قبح القتل وحسن الطموح ، فالقتل عندهم في نفسه قبيح ، ولهذا لا يجوزونه في غير ذلك المورد الخاص ، كما ان الطموح عندنا ايضاً حسن ولهذا نستحسنه في غير ذلك المورد الخاص ، وانما الخلاف بيننا وبينهم فيما هو مقتضى التزاحم بين الجهة المحسنة والجهة المقبحة.
وبهذا يظهر عدم اختلاف الحسن والقبح باختلاف الحالات ايضاً ، بل ان اختلاف الحالات يؤثر من ناحية وقوع المزاحمة احياناً بين الجهة المحسنة والمقبحة ، فالحسن الذاتي للصدق مطلق كما ان القبح الذاتي للكذب مطلق ، وحالة توقف انجاء النبي على الكذب ، او استلزام الصدق لاهلاكه دخيلة في ايقاع المزاحمة لا في اصل الحسن والقبح.
٢ ـ وأما التشكيك على اساس المنطق التجريبي فهو مبني على ما يدعيه هذا المنطق من كون التجربة هي الضمان الوحيد لحقانية كل قضية عقلية ، فكل قضية عقلية لا تضمن صدقها بالتجربة لا يمكن ضمان حقانيتها.