واشكالنا على هذا التشكيك مبنائي لا بنائي وذلك بنقض المنطق التجريبي وتفنيد تلك الدعوى التي تجعل من التجربة ضماناً أعلى وأوحد لحقانية كل قضية عقلية ، ولتفصيل الكلام في نقض المبنى موضع آخر.
٣ ـ وأما التشكيك على اساس المنطق البرهاني فنعني به التشكيك الذي يقدم على الاساس القائل بحصر القضايا المضمونة الحقانية في مجال البرهان بأصوله وفروعه ، ومراد المشكك هنا الاستدلال على خروج قضايا العقل العملي عن حيز البرهان المضمون الحقانية ، وباخراجها تصبح غير مضمونة الحقانية ، وهو معنى التشكيك.
وتقريب الاستدلال على ذلك جاء في كلمات المحقق الاصفهاني (قده) ، اذ ذكر على سبيل المقدمة ان مواد البرهان الاساسية وينابيعه تنحصر في القضايا الست المعروفة ، وذكر على سبيل الاستنتاج ان قضايا الحسن والقبح ليست من مواد البرهان ؛ لأنها لا تدخل في أي نوع من تلك الانواع الستة ، أما عدم دخولها في الحسيات ، والمتواترات ، والتجريبيات ، والحدسيات فواضح ، وأما عدم دخولها في القضايا التي قياساتها معها ، فلأنا لا نجد هذا القياس في ادراكنا كما نجده عند حكمنا بان الاثنين نصف الاربعة ، أو أن الاربعة زوج ، وأما عدم دخولها في النوع الأول وهو البديهيات والاوليات فلأن قضايا هذا النوع يكفي مجرد تصور اطرافها لصدور الحكم بها من قبل النفس ، وفي المقام لا يكفي ذلك في قضايا العقل العملي ، وإلا لما وقع الخلاف بين العقلاء ، فيستنتج من ذلك كله عدم برهانية قضايا العقل العملي ، وبالتالي عدم ضمان حقانيتها وهو معنى التشكيك على اساس المنطق البرهاني (١).
ولنا هنا كلامان ؛ احدهما يرتبط بالمقدمة ، والآخر بالاستنتاج ، أما المقدمة فقد سبق أن اشرنا الى ما هو التحقيق عندنا باسلوب يرتفع به الخلط بين العقل
__________________
(١) نهاية الدراية ، ج ٢ ، ص ٨.