لدرجة اهتمام المولى فلا يجعل الشارع حكماً على طبق حكم العقل ، فإن اهتمام الشارع له مراتب مختلفة ، وقد تكون مرتبة من العقاب كافية بالنسبة الى سنخ من الفرض ، ولا تكون تلك المرتبة كافية بالنسبة الى سنخ اعم من الفرض.
ولهذا قد يتصور بالنسبة الى الاغراض المهمة جداً انه ينزل العقاب في الدنيا قبل الآخرة لأن الانسان الدنيوي ينفعل بالعقاب الدنيوي اكثر من العقاب الأخروي ، فحينئذٍ لا ملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
ومن هنا نعرف جواب السؤال الثاني ، وهو انه هل هناك منافاة أو لا يكون هناك منافاة؟ قد يتوهم المنافاة باعتبار ان حكم الشارع هنا لغو ، لان الشارع يريد ان يحكم لأجل ان تكون معصيته قبيحة لأجل ان يحكم العقل بوجوب الامتثال حتى يكون محركاً للعبد ، وهذا الداعي العقلي موجود قبل ذلك.
هذا التوهم ارتفع ببركة ما قلناه ، وذلك لأن الحكم الشرعي هنا يكون موجباً لتأكد ملاك الحكم العقلي ، لانه يجتمع حقان عقليان حينئذٍ ، وحسنان عقليان ، أو قبحان عقليان ، ولا محالة حينئذٍ بتأكد استحقاق المدح ، ويتأكد استحقاق القدح ، اذاً فلا يكون جعل الحكم الشرعي لغواً في المقام ، فميزان المطلب هو هذا أي انه في موارد العقل العملي يدور جعل الشارع وعدم جعله للحكم مدار مقدار اهتمامه بحفظ هذا الغرض ، فان كانت درجة اهتمامه بحفظ هذا الغرض بنحو بحيث يكفي فيه هذا المقدار من المحركية الذاتية التي بطبع القضية الواقعية فلا حاجة فيه الى جعل الحكم من جديد ، وإلا فيجعل الحكم لأجل ان ينطبق على الفعل عنوان حق الطاعة ، وحينئذٍ يتأكد الواجب الاخلاقي ، ويشتد حينئذٍ المدح والقدح ، وبالتالي تتأكد الداعوية والمحركية ، هذا هو ما ينبغي ان يقال على وجه لف النكات يعني على وجه التأكيد على النكات الاساسية في المطلب لبيان الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، فاتضح بما قلناه انه لا ملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
إلّا أن عدم الملازمة بالمعنى الذي قلناه ليس معناه أن الانسان اذا عصى الواجب الاخلاقي يكون في مأمن من ناحية العقاب لأجل عدم وجود الحكم.