المعلوم ان الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار.
ويختلف هذان التقريبان من عدة وجوه : منها شمول التقريب الأول لما اذا حصل القطع بلا سبب عقلي كما في قطع «ابان» في دية اصابع المرأة بخلاف الثاني فانه لا مجال له في هذا الفرض. والتحقيق ان الاول غير معقول ثبوتاً ، والثاني وإن كال معقولاً ثبوتاً ، ولكنه لا دليل عليه اثباتاً.
فالكلام يقع في جهتين :
الجهة الأولى : في استحالة المدعى في التقريب الأول ، ولهذه الاستحالة بيانان ، احدهما : مناقضة النهي والردع عن العمل بالقطع لحق المولوية ، وهذا الوجه مبني على تنجيزية حق المولوية فلا يتم إلزام الاخباري لو ادعى كون الحكم العقلي معلقاً على عدم مجيء الترخيص من قبل الشارع. ثانيهما : أن النهي إما حقيقي أو طريقي ، وكلاهما غير معقول في المقام.
أما الحقيقي فلأجل التضاد بين الاحكام الحقيقية باعتبار مبادئها بقطع النظر عن ثبوت حق المولوية وعدمه.
وأما الطريقي فهو حيث إنه ينشأ بملاك التحفظ على النكات التي يتسبب القطع العقلي بفواتها ، فمرده في الحقيقة الى ايجاد الاحتياط بلحاظ تلك النكات ، ومن الواضح ان ايجاب الاحتياط بلحاظ نكتة لا يعقل جعله في حق من يقطع بعدم كون المورد من موارد تلك النكتة ، فلا يترتب الأثر المرغوب من الحكم الطريقي على جعله في المقام ، ويكون لغواً وبالتالي محالاً.
فاتضح ان القطع مما لا يمكن الردع عنه وفاقاً لمشهور الاصوليين على اختلاف بيننا وبينهم في تفسير حجية القطع وتحقيق جوهر هذه المسألة ، وقد أشرنا الى هذا الاختلاف الجوهري بيننا وبينهم في اول بحث الأدلة العقلية. وهذا الاختلاف هو احد الاختلافات الاساسية بين الفكر الاصولي الجديد والفكر الاصولي المتعارف ، لأن الفكر الاصولي المتعارف في باب الأدلة العقلية أي في ابواب القطع والظن والشك يقوم على قاعدتين متقابلتين ثابتتين بملاك واحد ، وهما