قاعدة حجية القطع ، وقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأثر هاتين القاعدتين واضح في طريق التفكير الأصولي في تمام ابحاث الأدلة العقلية.
ففي القاعدة الأولى قرر المشهور ان الحجية من اللوازم الذاتية للقطع ؛ لأن كل ما بالعرض ينتهي الى ما بالذات ، وكل حجة بالعرض لا بد من انتهائه الى ما بالذات ، وهو القطع ، وترتب على هذه القاعدة انه ما دام القطع هو المنجز والحجة فحيث لا قطع ولا بيان لا تنجز ولا عقاب ، وهكذا وضعت القاعدة الثانية ، وهي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فالقاعدتان معاً يعبران عن ملاك واحد ، احدهما يعبر عن وجهه الايجابي والآخر عن وجه السلبي ، وعلى اساس هاتين القاعدتين بحثوا سائر مسائل مباحث القطع ، والظن ، والشك ، ومن هنا وقعوا في حيرة في مقام التوفيق بين هاتين القاعدتين وبين تنجز الاحكام الواقعية بالامارات الظنية ، وما اليها من منجزات في حال الشك مع انه لم يتم ما هو حجة بالذات ، ولم يتبدل اللابيان الى البيان ، وكان آخر ما تمخض عنه التفكير الاصولي المتعارف هو حل الاشكال بجعل الطريقية ، واعتبار غير البيان بياناً ، فيكون حاكماً على القاعدة الثانية باخراج المورد منه ، وعلى القاعدة الأولى بادخال المورد فيها.
ونريد من هذه التوضيحات كلها ان نبين تسلسل التفكير الاصولي المتعارف وكيفية ابتنائه على تلك القاعدتين ، الأمر الذي جرَّ عليه تلك المشاكل المشار اليها نتيجة لالتزامه بحرفية تلك القاعدتين ، ولأجل هذا كان انكارنا للجوهر المشترك لتلك القاعدتين ، وتبديل طريقة التفكير احد المظاهر الرئيسية للاختلاف بين الاصوليين ، وتفصيل ذلك سبق في اول مباحث القطع ، وقد اوضحنا هناك انه لا معنى للتكلم في حجية القطع ، ودعوى كونها لازماً ذاتياً له ، اذ في المرتبة السابقة على اثبات الحجية للقطع بتكاليف المولى اما ان يفرغ عن ثبوت المولوية للمولى المساوق لحق الطاعة وإما ان لا يفرغ عن ذلك بحيث يراد اثباته في نفس مسألة حجية القطع باثبات حجية القطع ، فان لم يفرغ عن مولوية المولى في الدرجة السابقة ، ولم يعترف له بحق الطاعة فلا اثر للقطع بتكاليفه ، وان فرغ عن ذلك في الرتبة السابقة فلا بد ان ينظر الى مقدار سعة دائرة حق الطاعة الذي فرغ عنه ، فهل