لأجله الحكم. هذا ما افاده من الاشكال في الشقوق الثلاث (١).
ولكن لا يتم شيء مما ذكره.
أما الاشكال في الشق الأول وهو أنه لا يمكن جعل الحرمة للفعل المتجرّى به بعين الخطاب الدال على الحرمة للخمر الواقعي ، لكون حرمة التجري في طول حرمة الخمر واقعا ، فلا يمكن ان يكون مجعولا في عرضه كما أن قصد امتثال الأمر حيث انه في طول الأمر لا يمكن ان يقع في حيز الطلب والأمر.
فالجواب عنه أن الحكم له وجودان ؛ وجود في مرحلة الجعل والتشريع ، ووجود في ناحية المجعول أي مرحلة الفعلية ، فان الاحكام مجعولة بنحو القضايا الحقيقية فقبل تحقق الموضوع فيها يكون الحكم موجودا بالوجود الانشائي والفرضي ، وبعد تحقق الموضوع يكون موجودا بالوجود الفعلي ، فالحكم بحرمة الفعل المتجرّى به وإن كان متأخرا عن الحكم بحرمة الخمر واقعا في مرحلة الفعلية وتحقق الموضوع لأن موضوعه متأخر عن الحكم الأول وفي طوله إلا أنه لا مانع من أن يكون مجعولا مع الحكم الأول بجعل واحد ، ويكون في عرضه ، إذ في مقام الجعل والانشاء لا نحتاج الى وجود الموضوع وتحققه في الخارج ، بل يكفي فيه فرض وجوده كما هو واضح لا يخفى (٢).
وأما ما ذكره في الشق الثاني من أن المتجري لو خوطب بخطاب خاص بهذا العنوان يخرج عن كونه متجريا فلا يمكن وصول هذا الخطاب اليه مع فرض كونه متجريا ، فلا يمكن جعله لكونه لغوا وبلا أثر ، ففيه : أنه لا يجب وصول الخطاب الى المكلف تفصيلا ، بل يكفي في عدم اللغوية وصوله ولو اجمالا ، وفي المقام وان لم يمكن ان يعلم المكلف تفصيلا بالخطاب المذكور لانه يخرج عن كونه متجريا إلا أنه لا مانع من أن يعلم به اجمالا ، فهو يعلم بالعلم الاجمالي ان علمه قد يكون مخالفاً
__________________
(١) فوائد الأصول ، ج ٣ ، ص ٤٥.
(٢) وقياس المقام بقصد امتثال الأمر غير صحيح ، وذلك لأن الحكم هناك واحد وفي المقام متعدد ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.