هذا هو مركز النزاع الرئيسي في المقام ، وبه يتضح حال جملة من الكلمات التي قيلت في المقام من المثبتين والنافين وانها ليس لها محصّل. وعلى كل حال فالنافي للقبح يختار الصورة الثانية ، وله أن يدعي ان الاطاعة والمخالفة فرع ثبوت الحكم واقعا ، فاذا فرض انتفاء الحكم واقعا فينتفي موضوع الاطاعة والمخالفة ، وذلك كحق زيد على عمرو فان له ان لا يتصرف عمرو في ماله ، وان يضمن له إن تصرف ، فان هذا الحق انما يثبت اذا كان المال ملكا لزيد واقعا ، فلو تخيل عمرو ان المال ملك لزيد فأتلفه ، ثم ظهر له انه ليس ملكا لزيد وانما كان ملكا لنفسه ، فانه لا يتوهم احد ان يكون ضامنا لزيد بمجرد تخيل انه ملكه.
ولكن الحق هو الصورة الثالثة ، وذلك لأن حق المولى ليس أمراً واقعياً محضاً مع قطع النظر عن مولوية المولى وعبودية العبد كالضمان في المثال المذكور ، بل ان حق المولى عبارة عن مرتبة من احترام المولى بحكم العقل بوجوب التحفظ عليها وعدم الاتيان بما ينافيها ، ومن المقطوع ان العقل لا يفرق في تفويت تلك المرتبة من الاحترام بين مخالفة الحكم الواقعي المقطوع به وبين المقطوع به من الحكم وان كان مخالفا للواقع ، ولا يقاس ما نحن فيه بالضمان في المثال المذكور ، فان الضمان حيث انه أمر واقعي محض ليس لشيء دخل فيه فلا يدور مدار العلم لا وجوداً ولا عدماً ، اما عدماً فلما تقدم في المثال من انه لو تخيل عمرو ان المال ملك زيد فاتلفه ، وظهر بعد ذلك انه ملكه فان لا يضمن له ، واما وجودا فلأنه لو تخيل انه ملكه فأتلفه ، ثم ظهر انه ملك زيد فانه يضمن له ، كما لا يخفى.
هذا كله واضح بناءً على كون الحسن والقبح من مدركات العقل، واما بناءً على أنه من بناء العقلاء ومجعولاتهم لأجل حفظ النظام. فيأتي عليه ما أورده السيد الأستاذ على حرمة الفعل المتجزى به شرعاً حرفاً بحرف، فانه يقال في المقام: ان العبد ان كان ممن ينتظم بنظام بناء العقلاء ويتحرك به فيكفيه بناء العقلاء على قبح المعصية، وإن كان ممن لا ينتظم بنظام ولا يتحرك ببناء العقلاء فحال بناء العقلاء على قبح الفعل المتجزى به بالنسبة اليه حال بنائهم على قبح المعصية فيكون لغواً ، فلو تم الاشكال هناك فلا مخلص منه في المقام أيضاً.